IMLebanon

31 تشرين نهاية تيار… يا هلا بيوم الإثنين

 

 

إحتفالات و”دي جي” وحلويات وتصفيق

 

بعد «هلا بالخميس» باتت لازمة حديث اللبنانيين: يا هلا بالإثنين. فيوم 31 تشرين هذا يصادف نهار اثنين. وهو اليوم الرابع بعد الثلاثمئة في السنة، والخامس بعد الثلاثمئة في السنة الكبيسة. وسنتنا 2022 كبيسة. فهل سيكون الإثنين المرتجى طبيعياً؟ وماذا لو لم يكن كذلك؟ وهل من يعرف شيئاً عن إحتفالات اليوم الحادي والثلاثين من الشهر العاشر؟ وهل 31 تشرين يشبه 13 تشرين؟

لم يخل «الجنرال» أن خروجه من القصر لن يكون مثل دخوله إليه. فاللبنانيون، ثلاثة أرباع اللبنانيين، يحسبون الثواني التي تفصلهم عن نهاية الولاية. يبالغون؟ ربما. لكن، تلك هي حالهم. لن ندخل في «كلام الناس» لكننا سنسأل عارفي الجنرال عن توقعاتهم لذلك النهار؟ هل سيكون مستعداً له؟ وماذا لو همس أحدهم في أذنيه، في آخر النهار: بعبدا ما بتليق إلا للجنرال؟

 

31 تشرين سيكون عرساً… رأس السنة… بقعة نور… الى كثيرين. فكيف يرونها من كانوا أصدقاء للتيار، وفي قلب التيار، ونبض التيار؟

 

يصرّ عونيون سابقون على عدم ذكر أسمائهم وهم يحللون اللحظة المرتقبة بعد 24 يوماً. الياس الزغبي، الناشط سابقاً في صفوف التيار، لا يبالي سواء ذكر اسمه أم لا. وجميعهم يجمعون على نقطة: لن يعود فخامتو، «جنرال الرابيه»، في 31 تشرين «فالمسألة تغيرت كثيراً بين قبل واليوم».

 

فلنسأل عن تفاصيل إضافية: كيف سيخرج الجنرال من بعبدا؟ يجيب الزغبي «إذا أخذنا الناحية النفسية في الإعتبار يمكن أن نؤكد قياساً على سابقة أن الرئيس ميشال عون يتمنى أن يبقى في قصر بعبدا، وهو محاط بفريق يشجعه على ذلك، بحجة عدم تسليم صلاحياته الى حكومة غير مكتملة المواصفات. إنها الناحية النفسية التي تتحكم بسلوكه منذ 34 عاماً لكنها تصطدم اليوم بواقع معقد جداً لا يسمح له بتنفيذ رغبته الدفينة. لهذا، من المنطقي أن يغادر يوم 31 تشرين قصر بعبدا، والإتجاه الغالب هو تحضير الغرف المغلقة، ما بين ميرنا الشالوحي واللقلوق وقصر بعبدا، ما يُعرف «بالمغطس الشعبي»، كتعويض معنوي له عن استحالة بقائه على كرسي الرئاسة و»تمغيط» عهده.

إنقسام

 

الجنرال راجع الى الرابيه، لكن الرابيه ليست سعيدة. ومن لا يُصدق فليسأل سكانها. لكن بين أن يزعل سكان الرابيه أو أن يزعل سكان لبنان فالأفضل- الى لبنانيين كثيرين- زعل سكان الرابيه. هذا حظهم. في كل حال، هناك من يتحدث في مجالس العونيين عن أن «حزب الله» لم يكن قادراً أن يغطي بقاء عون في بعبدا خصوصاً أن على يمينه حليفاً رافضاً لذلك تماماً وبشكل حازم. الرئيس نبيه بري لن يقبل أن يبقى «فخامتو» دقيقة واحدة بعد 31 تشرين في القصر.

 

مثلها مثل نبيه بري، تكاد «تطير» تلك الشابة اللبنانية – التي تصل في 27 تشرين من نيجيريا- من الفرح، وهي طلبت «دي جي» في المناسبة ليحيي سهرة 31 الشهر حتى بزوغ الفجر.

 

اللبنانيون منقسمون ووحدها الدموع، بين دموع الفرح ودموع الحزن، ستنهمر أنهاراً. ماذا عن حلفاء الجنرال في هذا اليوم؟ يقول صديق الجنرال السابق «أن ميشال عون لن يجد خارج «حزب الله» أي متعاطف مع فكرة بقائه حيث هو الآن، حتى من أقرب المقربين إليه ممن ينضوون الى حلف الممانعة، مثل سليمان فرنجيه وطلال أرسلان والقوميين وسواهم ممن تحرروا من الطوق العوني».

 

ميشال عون 2022 – رئيس الجمهورية السابق قريباً – لم يتغيّر على المستوى النفسي والأداء السياسي عن ميشال عون 1988. ويقول الياس الزغبي: «لا التجارب المرّة التي عاشها أو تسبب بها ولا إقامته الباريسية المديدة ولا ديموقراطية الغرب قدمت له أي منحى جديد بالديموقراطية وتداول السلطة».

 

العد العكسي

 

بدأ الـ count down الى 31 تشرين. وبدأت المراهنة «بالفريش»: بيترك ما بيترك بيترك ما بيترك… أحدهم كتب: شامم رائحة حلويات من عند الجيران (مع اقتراب الإحتفالات بخروج فخامتو من القصر). غريب كم أصبح ميشال عون ثقيلاً على كثيرين. ويتحمل وريثه الشرعي ذنباً في ذلك. جبران جرجي جرجي باسيل، وريث البيت العوني، كان يمنّي النفس بالرئاسة وهو أكثر العارفين أنه الآن في ورطة. في هذا الإطار يقول الياس الزغبي «لو كان لدى جبران الحد الأدنى من الأمل في بلوغ سدة الرئاسة لكان أكثر المتحمسين لمغادرة عمّه في 31 تشرين، لكن يأسه من الوصول جعله أبرز الذين يضغطون في سبيل إيجاد الأرضية المناسبة كي يستمر قابضاً على القصر ولو لفترة وجيزة، على أمل خادع أن تسمح له الفترة الوجيزة في إعادة تصحيح المرونة السياسية ورفع العقوبات ولملمة جبهة صفوف الممانعة».

 

واحدة من مشاكل الجنرال هو جبران. يحبه لكنه خرج أكثر من مرة عن طوعه فأذاه. عارفو الجنرال يذكرون في كل مرة يتحدثون فيها عن الجنرال، جبران الذي أحبّ في مراهقته العماد قائد الجيش وتعرّف وهو يشارك في حلقات الدبكة في بعبدا على شانتال ميشال عون. لقاء فنظرة فابتسامة فإعجاب فزواج. تزوجا وبدأت الحكاية.

 

هو كان ويستمر الأقرب الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي يُفضّله على أي كان، هل في ذلك سرّ؟ كثيرون سألوا هذا لكن جواب عارفٍ أوضح: «شانتال هي الإبنة الصغرى وطبيعي ان يكون عطف العماد – الرئيس عليها وعلى عائلتها أكبر، أضافة الى أن للأم ناديا، خيط الحرير كما يسميها عون، دوراً شخصياً كونها تميل الى جبران أكثر.

 

المال والسلطة

 

منذ العام 2000 أمسك جبران بمقبضيّ السلطة والمال في التيار الوطني الحرّ. صحيح أن توقيع اللواء نديم لطيف كان مطلوباً مالياً لكنه بدا شكلياً أما القرار المالي الواقعي فكان بيد جبران. وفي السلطة السياسية كثيرون كانوا في الواجهة لكن القرار الأول والإتصالات والمفاوضات السياسية كانت له وله وحده.

 

جبران جرجي جرجي باسيل فرديٌّ، بحسب وصف عارفيه، وهو أحادي، يرى الدنيا تدور حوله، وهو يتمتع بحبّ «الأنا» وعرف كيف يستظلّ العمّ – العماد ميشال عون. وعرف كيف يُبعد من يجب، في تحليله، أن يبتعد، مبقياً سياسياً على نوعين من البشر: أصحاب الأموال وأصحاب الخضوع. هكذا قوّى ظهره ومشى في خياراته.

 

هو أمسك برقبة العونيين ويريد ان يُمسك برقاب اللبنانيين. ويوم 31 تشرين، يوم خروجه من القصر مع عمه، هو بالنسبة له يوم أسود حتى لو سمع كثيراً من التصفيق على طول الطريق بين بعبدا والرابيه من ما تبقى من تياريين. فآخر لحظات الجنرال في القصر هي آخر أحلام زوج الإبنة في الإرث السياسي أيضاً. إنه البرغوت، بحسب نبيه بري، الذي قال عنه ذات يوم إنتخابي: «أحدهم «يبرغت» في دائرتنا».

 

والسؤال، هل صحيح أن الجنرال واقع تحت سيطرة جبران أم جبران هو تلميذ الجنرال؟

 

عارفو الجنرال وجبران جرجي جرجي باسيل يؤكدون ان الثاني تأثر بالأوّل، في البدايات، لكنه اصبح بعدما شاخ الجنرال المؤثّر الأول في قراراته. وهذا هو بيت القصيد الذي دفع كثيرين الى لوم الجنرال والخروج عن طوع التيار. ضعف الجنرال كثيراً. ولن ينجح معه، بعد 31 تشرين، كل الترويج لنظرية ان الحكم يبري، بمعنى ان الناس ضدّ الحكام حتى ولو عدلوا. كثيرون يروجون الآن لذلك معتبرين ان الجنرال سيعود جنرالاً يهز الكون بأصبعه حين يعود الى الرابيه. تلك النظرية تستخدم اليوم للقول ان عون وفريقه سيكونان أقوى بكثير بعد الخروج من أروقة القصر وانه سيستردّ شعبيته و»الشعب العظيم» وبذلك سيعود قادراً على التأسيس من جديد للوراثة السياسية المتمثلة بزوج الإبنة الصغرى. لكن، ما لا يعيه هؤلاء – او لنقل لا يريدون الإعتراف به – أن الإحتراق الذي اصاب التيار العوني في الأعوام الستة الماضية ليس بسيطاً أو من الدرجة الثالثة. إنه إحتراق من الدرجة الأولى، بمعنى ان الجسم السياسي الذي يشكله التيار يتجه بعد 31 تشرين الى مزيد من التفكك. هو بات «مهلهلاً» أكثر بكثير مما قد يتصوّرون. والتيار لن يعدو كونه بعد هذا التاريخ سوى حزب عوني ينتمي الى منظومة الأحزاب المتجهة للإنقراض، على مثال الأحزاب التوتاليتارية، كالحزب القومي السوري والبعث والشيوعي.

 

احد العونيين السابقين يتذكر هنا تلك الجلسة التي جمعته مع أكثر من 25 شخصاً مع النائب السابق سليم سعاده – القومي السوري – بعد الإنتخابات النيابية الأخيرة وخسارته الفادحة. يومها قال سعادة بأسلوبه: «يا عمي إنتو منتبهين شو صار معنا؟ في انتخابات 2018 حصلت على 25 الف صوت أما الآن فحصل الحزب القومي، في كل لبنان، على مجموع 7000 صوت في حين ان فادي كرم حصل وحده على 10 آلاف صوت، يعني مرة ونصف ما حصدناه جميعا».

 

مرحلة جديدة

 

الجنرال راجع الى الرابيه والتيار الوطني الحر، كما الأحزاب التوتاليتارية، ذاهب الى الإنقراض، الى الهاوية.

 

السلطة حرقت التيار. ومشكلته انه وضع نصوصاً جميلة لا تشبه بشيء ممارسته على مدى 34 عاماً. أطلق التيار العوني عناوين وشعارات صحيحة، تداعب المشاعر الشعبية ووجع الناس، لكنه قادهم الى خيارات خاطئة.

 

رائحة الحلويات قوية في الأحياء. 31 تشرين يقترب.

 

عوني سابق يقول: «كل اللبنانيين بين «حكي ورغي». والثابت ان لبنان بعد 31 تشرين سيدخل في مرحلة جديدة. تاريخياً، كل مرة نصل فيها الى محطة الرئاسة تكون مدخلاً الى مرحلة جديدة. هذا ما حصل ايام بشارة الخوري وكميل شمعون وفؤاد شهاب والياس سركيس. فتاريخ لبنان مليء بتراكم الأزمات التي تتطلب في كل مرحلة من المراحل تغييراً. اما الحالة الشعبية التي ينوي العونيون استثمارها في 31 تشرين فلا قيمة لها. تصفيق الناس الذين ينوون أن يضجوا به بلا قيمة والبلد في مكان آخر». لكن الجنرال تكلم عن ظروف طبيعية وظروف غير طبيعية. يقاطعنا العوني السابق بالقول: «اصبح شعبنا «عايش» على الفيسبوك. واحد وزنه وزن الذبابة يتحدث عن وجوب بقاء ميشال عون في القصر وإمرأة تفرم البصل تتحدث عن انجازات الجنرال. هو كلام لا قيمة له. ويستطرد: لا شك ان خروج الجنرال على المستوى السياسي والشخصي من الحياة السياسية – ولو بحكم العمر- ستكون له ارتدادات، خصوصا ان وجوده لم يبن على اسس صلبة. انحرف الجنرال عن مبادئه ولم يبن لمشروع بل لشخصانية وعمله كان مجرد «مونوبول» بلا قيمة. ولو قام جميع الناس يوم 31 تشرين بالتصفيق للجنرال – وهو ما لن يحصل- فكيف سيترجم التصفيق؟ اين سيترجمونه؟ و31 تشرين سيكون مثل 13 تشرين على قاعدة «ما خلونا». الجنرال كان يعلم منذ البداية ان اللعبة السياسية مليئة بالمشاكل والتحديات ولا تنفع معها لازمة: ما خلونا».

 

31 تشرين يقترب. إنه العدّ العكسي. المنتظرون على جمر يستعدون والمصفقون يستعدون أيضا. والتصفيق من تجارب التاريخ يتوقف بعد خمس ثوان.