Site icon IMLebanon

الرئيس عون.. لا مكانة في التاريخ سوى الفشل والانهيار

 

يبدو بوضوح وقبل خمسة أيام من نهاية عهد الرئيس ميشال عون بأننا نتجه نحو الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية، وليس هذا الامر بالجديد في السياسة اللبنانية، حيث حدث وأن حصل الفراغ في سدة الرئاسة في نهاية عهدي الرئيسين إميل لحود وميشال سليمان، واذا كان قد لزم لملء الفراغ الدستوري بعد انتهاء عهد لحود الى حدث امني كبير يعرف بأحداث السابع من ايار 2008، حيث احتلت ميليشيات حزب الله معظم احياء بيروت ومناطق قضاء عاليه، وبما فتح الباب لانعقاد مؤتمر «الدوحة»، مع كل ما حمل معه من تعديلات على صيغة دستور الطائف والاعراف الميثاقية المعتمدة، فإن الفراغ الثاني مع نهاية عهد الرئيس سليمان قد امتد على فترة ثلاثين شهراً، وانتهي بتسوية «مشؤومة» جاءت بالعماد عون الى رئاسة الجمهورية، كحليف رئيسي لحزب االله بموجب اتفاقية «مار مخايل» بين الطرفين.

سيأتي الفراغ الرئاسي هذه المرة ولبنان يتخبط في خضم ازمة سياسية واقتصادية واجتماعية، وهي الاخطر منذ الازمة التي امتدت ما بين عامي 1975 و1990.
يتحضر المجلس النيابي لعقد جلسة الانتخاب الرابعة دون وجود اي امل بانها ستكون مختلفة عن سابقاتها، حيث من المتوقع اكتمال النصاب لدورة اقتراع اولى، وفقدانه بعد ذلك منعاً لاجراء دورة ثانية. وهكذا يبقى من المتوقع ان تستمر عملية تعطيل انتخاب رئيس جديد قبل نهاية رئاسة عون في 31 تشرين الاول الجاري، في ظل امكانية عدم حصول اي توافق بين الكتل المقسومة بين معسكرين داخل البرلمان: كتلة الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر وتيار المردة، ومعسكر المعارضة والذي يضم القوات اللبنانية، واللقاء الديمقراطي والكتائب مع النواب التغييريين وبعض الكتل السيادية، ان موازين القوى بين المعسكرين لن تسمح بانتخاب رئيس جديد الا في حال حصول تسوية على غرار ما حدث في عام 2016، والتي جاءت بعون الى رئاسة الجمهورية.
لا يبدو ايضاً بأنه يمكن التوصل الى تشكيل حكومة جديدة قبل نهاية العهد، وذلك في ظل الشروط التعجيزية التي يتمسك بها جبران باسيل كرئيس للتيار الوطني الحر. وهكذا سيواجه لبنان المزيد من الغرق والتخبط في ازمته القاتلة والمستمرة منذ ما يقارب اربع سنوات دون رئيس للجمهورية ودون حكومة فاعلة، حيث ستترك كامل مقاليد السلطة التنفيذية لحكومة تصريف الاعمال برئاسة نجيب ميقاتي.

سيغادر الرئيس عون قصر بعبدا في نهاية هذا الشهر دون وجود حكومة فاعلة وقادرة على تعبئة الفراغ في سدة الرئاسة، وهو يدرك جيداً بأنه هو المسؤول شخصياً عن وجود هذا الفراغ، والذي يمكن ان يهدد مستقبلاً كامل الصيغة السياسية لدستور الطائف، بعد ان تسبب سوء ادارته للدولة الى تدمير الوضعين المالي والاقتصادي والى افقار اكثرية اللبنانيين، وفي الحقيقة لا يفاجئني خروج الرئيس عون من بعبدا تاركاً وراءه بلداً مدمراً ورئاسة شاغرة وحكومة تصريف اعمال لانه قد سبق لي وتوقعت خراب الدولة في تقييم اجريته مع وزير التربية النائب مروان حمادة في السنة الاولى من العهد «القوي»، مع تحميلنا لمسؤولية الانهيار المقبل للتسوية التي ارتضاها الرئيس سعد الحريري، عند موافقته على انتخاب ميشال عون، وذلك بعد رفض حزب الله الموافقة على ترشيحه للنائب سليمان فرنجية، قدّم الرئيس عون لحزب الله التغطية الشرعية لسلاح الحزب وتدخله العسكري والامني في عدد من الدول العربية، كما أمّن له التغطية السياسية والشعبية من خلال التيار الوطني الحر في الداخل، ومن خلال تكوين اكثرية نيابية راجحة في البرلمان مهيمنة شبه كاملة على جميع الحكومات التي تشكلت خلال عهده.
تسبب هذا التحالف بين حزب الله والرئيس عون وتياره بتخريب علاقات لبنان مع عدد من الدول العربية وخصوصاً الخليجية منها، وذلك على خلفية تدخل حزب الله في هذه الدول خدمة لمصالح ايران وانتهاجها لسياسة الهيمنة على عدد من الدول العربية، وتهديدها لأمن المملكة العربية السعودية والبحرين ودولة الامارات. ولم يكن من المستغرب اطلاقاً أن ترد الدول الخليجية بوقف مساعداتها للبنان ومقاطعته سياحياً واقتصادياً، وذلك في اطار ردها على نشاطات حزب الله والمغطاة من قبل رئاسة الجمهورية والتيار الوطني الحر، مع فشل كامل لجميع الحكومات في الالتزام ببياناتها الوزارية باعتماد سياسة النأي بالنفس، وعدم التدخل في النزاعات الاقليمية، من الازمة السورية الى الحرب في اليمن، والتدخل في البحرين وفي العراق.

ad
عرفت عون خلال 65 عاماً، منذ عام 1957 كتلامذة ضباط في المدرسة الحربية، كان متقدماً علي، وعرفته كزميل في الجيش وكشريك في عدد من المهمات، وابرزها عملية بيروت الكبرى، إبان الغزو الاسرائيلي للبنان عام 1982، وعرفته عن قرب كقائد للجيش.
ولكني لم اكن في اية فترة من هذه الفترات معجباً بأدائه او بأسلوبه القيادي، لقد عبّر دائماً عن مشاريع وطموحات واحلام انتهت جميعها دون تحقيق او بفشل وبانتكاسات. فالمقاربات التي كان يعتمدها كانت جزئية او غير واقعية، غير قابلة للتحقيق. وتابعته في مسيرته السياسية من رئاسة الحكومة عام 1988، والتي شهدنا خلالها يعلن حرب التحرير ضد الجيش السوري في لبنان وحرب الالغاء ضد القوات اللبنانية، وانتهت الحربان بتدمير ألوية الجيش العامرة ومعها فوج المغاوير، بالاضافة الى تدمير جزء اساسي من المناطق الشرقية العامرة، بالاضافة الى دخول الجيش السوري الى القصر الجمهوري ووزارة الدفاع، واعادة احتلال معظم المناطق الشرقية التي كانت محررة.
بعد عودة عون من باريس الى بيروت عام 2005، انقلب على جميع الشعارات السيادية التي رفعها في حياته، وتحالف مع النظام السوري ومع حزب الله، واشهر عداءه لكل القوى الاستقلالية والسيادية في 14 اذار، وذلك من اجل توسيع حركته السياسية وتحضيراً لصعوده الى موقع الرئاسة الذي كان طامحاً لبلوغه، وبأي ثمن ممكن.
ترك عون ومعه تياره السياسي قبل الرئاسة واثناءها العنان لمشاعره العدائية ولاحقاده ضد كل من سبق ان عارضوه او سبق وصنفهم بين خصومه. وظهرت هذه النزعة بصورة جلية في كتابه «الإبراء المستحيل» وفي خطبه وتصريحاته، وتابع ممارسة اطماعه في الهيمنة على كل مقدرات الحكم عند وصوله الى الرئاسة، فتنكّر للتسوية مع سعد الحريري، وانقلب على اتفاق «معراب» مع سمير جعجع، وبما انه لا يمكن الحكم في لبنان على قاعدة الالغاء فقد كان من الطبيعي ان ينتهي عهده «بالكارثة» التي حلت بلبنان وبالانهيار الكامل للدولة،سيذهب هو الآن الى منزله في الرابية ولكن لن تكون له مكانة تذكر في تاريخ الرؤساء سوى مكانة الفشل والانهيار الكامل.