Site icon IMLebanon

بين القنبلة والسياسة القذرة

 

 

سياسة الفراغ والتّعطيل القذرة التي يستمر الفرقاء جميعاً في لعب أدوارهم في المشهد اللبناني قد تكون أكثر دماراً وإبادة من القنبلة القذرة، وهي سلاح تخريبي شامل لا يُحدث دمارًا يروّج الرّوس عن استعداد أوكرانيا لاستخدامه في الحرب الدائرة بينهما. وتكاد تكون سياسة الفراغ والتّعطيل والذّهاب بالبلاد حتى النهاية إلى “أقعر” قعر في جهنّم أقذر بكثير من قنبلة أوكرانيا القذرة، وللمفارقة هذه تندرج ضمن القنابل التقليديّة المحاطة بمواد مشعّة تنتشر على شكل غبار عند وقوع الانفجار وتسبّب إصابات بالغة وتلف في الممتلكات لا سيّما لدى المجتمعات القريبة من موقع الإنفجار. من حيث الشّكل والمضمون يكاد الوصف يتطابق مع تفجير مرفأ بيروت وكلّ الغبار والغازات والتلوّث الذي ينعجن به اللبنانيّون عجناً كلّ يوم وصولاً إلى ما أعلنه وزير الصحة بالأمس عن المياه الملوّثة التي تسقي المزروعات في زمن الكوليرا، هذا عدا عن التعتيم على أربعين حالة تسمّم تناولت جميعها الفرّوج من محلّ واحد مضافاً إليها حمله جرثومة السلامونيلا، كلّ هذه القذارة التي تحكم وتتحكم بلبنان وشعبه لا تعادلها عشرات القنابل القذرة التي تحتلّ أحاديث المنصّات والمحطّات الإخباريّة وتعتبرها منعطفاً خطيراً في مسار الحرب!

 

يتفرّج اللبنانيّون على الأوسمة توزّع على الأزلام والأتباع والأسياد في وقت الشعب اللبناني هو الوحيد الذي يستحقّ كلّ الأوسمة لتحمّله كلّ الشؤم الذي أغرق العهد البلاد به، وفي دورة نحسٍ فلكيّة أخوف ما نخاف أن يبقى نحسها مستمرّاً بفعل تعمّده الفراغ بفعل فاعل هو صهر العهد ومحرّكه من خلف وأمام كلّ الستائر والمستور والمفضوح من قذارة النيّات المضمرة والمعلنة، كم مرّة سيعيد هذا التّاريخ نفسه بنفس الوجوه والأسماء والأدوار والضّحايا؟ كأنّنا عشيّة تلك الليلة المشؤومة 23 أيلول من العام 1988 التي ظلّ أيّامها الرّئيس أمين الجميّل يخدع الحكومة وهو يردّد على مسامع الفرقاء والخصوم “تشكيلة الحكومة في جيبي” حتى ولدت لعنة الحكومات التي عرفها لبنان في تاريخه القديم والحديث، نصف حكومة عسكريّة مشوّهة خرقاء حكمت بعقل مدمّر واحد لم يترك البلاد إلا دماراً والرّجال إلا قتلى والجيش إلا مكسوراً، وسلّم البلد للمحتلّ وفرّ لاجئاً وكان ما كان، أيّ قدر يرمينا مجدّداً تحت قدمي عقلٍ تعطيلي مدمّر أودى بنا إلى جهنّم وسيترك البلاد خراباً بلا دولة ولا مقدّرات اقتصاديّة ولا ماليّة ولا مرافق حيويّة، عهد دمّر كلّ شيء وتهرّب من المسؤوليّة، عهد خرج على الصحافة ونصف بيروت قد دمّر بفعل انفجار المرفأ وهو كان يعلم بخطورة ما تمّ تخرينه في العنبر رقم 12 ووقف وعينه في عين الشعب اللبناني قائلاً له “لا سلطة لديّ على المرفأ”، وها هو مجدّداً يريد أن يفرض أسماءً بعينها توقّع استقالات مسبقة وتقدّمها لصهره المدلّل ليسمح بتشكيل حكومة تمعن في التعطيل حتى بعد مغادرته القصر!!

 

هذه القذارة التي أغرق فيها لبنان ممارسة كيدية انتحاريّة عُرفت بها الحالة العونيّة منذ سقطت كقدر أعمى على رأس لبنان وشعبه، وهي أيضاً مطلوبة ومدروسة من حزب الله “وعزّ الطلب” عند ذراع إيران في لبنان هو الفراغ، وأكثر ما يُثير السّخرية مخادعة اللبنانيّين بالادّعاء أنّ حزب الله يبذل جهوداً حثيثة لتشكيل الحكومة في وقت غاية حزب الله الكبرى أن ينتهي هذا المسار الكارثي للبلاد إلى عقد اجتماعي طهراني يكون وحده فيه الحاكم والمتحكّم بالنّفط أوّلاً وبالرئاسات والحكومات والانتخابات، والحارس على أمن حدود العدوّ الإسرائيلي باتفاقات وبوساطة ورعاية “الشّيطانان الأكبر والأصغر”!