1 – في أيلول 1988، عُيِّنَ قائد الجيش ميشال عون رئيساً للحكومة الانتقالية السداسيّة وذلك بعد أن وَعَدَ العمادُ عون الرئيسَ الجميّل بأنّ أعضاء المجلس العكسري الخمسة معه لن يرضخوا للضغوط ولن يستقيلوا مهما حصل. وإذ بالوزراء الثلاثة المسلمين يستقيلون فور إعلان حكومة عون، ما أجّج الصراع بين حكومة الرئيس سليم الحصّ غير الدستوريّة وحكومة الرئيس عون الأحاديّة التمثيل. (هذا كان أوّل نكث بالوعد من قِبَل العماد عون).
2 – ليلةَ تعيينه رئيساً للحكومة الانتقاليّة أكّد العماد عون لـ»قائد القوات» سمير جعجع أنّه: «بشرفي العسكري يا سمير، رح حافظ على «القوات» بِرموش العين كما أحافظ على الجيش». إلّا أنّه في شباط 1989 أصدر عون قراراً مفاجئاً بوضع جميع المرافئ من صور الى طرابلس، وبالقوّة إذا لزم الأمر، تحت سلطة الجيش اللبناني. طبعاً انتهى الأمر بتسليم «القوات اللبنانيّة» وحدها الحوض الخامس ومرفأ جونيه للجيش اللبناني وبقيت باقي المرافئ مع قوى الأمر الواقع. (هذا ثاني نكث بالوعود).
3 – في 20 شباط 1989 دعا العماد عون الدكتور جعجع الى لقائه في بعبدا، فنُصِبَ له كمين على مستديرة المكلّس فنجا هو بأعجوبة واستشهد مرافقه سمير وديع. (هذا نكث ثالث).
4 – 14 آذار 1989 أعلن العماد ميشال عون «حرب التحرير» ضدّ سوريا، واعداً «بتكسير رأس حافظ الأسد» وتحرير لبنان وطرد جيش الاحتلال السوري، مؤكّداً مجيء الأساطيل الفرنسيّة والدوليّة لمساعدته، فلم يأتِ أحد وخسر الحرب. (هذا النكث الرابع).
5 – إجتمع العماد عون مع النواب في قصر بعبدا وطلب منهم الذهاب الى الطائف لبحث الاتفاق المطروح على اللبنانيّين، وكانوا يُطلِعونه وبشكل دائم ودقيق على كل مجريات النقاشات وتفاصيل الاتفاق (الكلام للنائب بيار دكاش)، وكان العماد عون موافقاً ولم يعترض على أيّ من البنود. وعندما تأكّد انّه تمّ الاتفاق على رينيه معوض رئيساً للجمهوريّة حلّ المجلس النيابي وبدأ بمحاربة الطائف، وذهبت جماهيره الى بكركي لحَملِ البطريرك بطرس صفير على الأكفِّ والأكتاف، بكلّ حضارة وتهذيب، وهَجَّروه الى الديمان في سابقة لم تحصل إلّا في عهد المماليك، لأنّه أيّد اتفاق الطائف كونه الخيار الوحيد المتاح بعد خسارة حرب التحرير الخاسرة سلفاً. (هذا النكث الخامس بالوعود).
6 – إستكمالاً لوعده لسمير جعجع بحماية «القوات» برمش العين كالجيش، قرّر العماد عون «توحيد البندقيّة» تحت إمرتِهِ فَشَنّ في آخر كانون الثاني 1990 حرب إلغاء، من دون هوادة، على «القوّات اللبنانيّة»، مؤكّداً لسائليه أنّه سيسحقها خلال أيام. (هكذا قال العماد عون للرئيس شارل حلو عندما زاره برفقة السفير البابوي آنذاك). لكنّه لم يستطع ربح معركته. (للمرّة السادسة لم يصدق العماد في وعده).
7 – في 13 تشرين الأول 1990، كان العماد أوّل المغادرين الى السفارة الفرنسيّة بالرغم من وعوده المتكرّرة أنّه سيكون آخر المستسلمين أو أول الشهداء. (للمرّة السابعة فعل العماد عكس ما كان يقول).
من واشنطن إلى مار مخايل
8 – قبل عودته إلى لبنان من منفاه في العام 2005، بنى العماد عون كلّ شعبيّته وأمجاده على التجييش ضد الاحتلال السوري وعملائه وضدّ نظام الأسد، مع افتخاره أنّه هو أبُ «قانون محاسبة سوريا» والقرار 1559، بعدما كان قد قال في إيران و»حزب الله» وولاية الفقيه وعلى مدى سنوات، ما لم يقله مالك في الخمرة. فَوَالته الجماهير على خطاباته ومواقفه وبايعته بتسونامي لم يسبق له مثيل في تاريخ لبنان. بعد أشهر تنكّر للماضي، فاحتفل بعيد مار مارون ببراد وتعشّى وتمشّى مع الرئيس الأسد في مطاعم وشوارع دمشق وحالف «حزب الله» في مار مخايل. يعني أخذ بركة مار مارون ومار مخايل ليَنقُضَ ويَنقَضَّ على كلّ تاريخه. (للمرة الثامنة فعل العماد عون عكس ما نادى به).
10- أقام «التيّار الحرّ» الدنيا ولم يقعدها ضدّ فساد آل الحريري و»تيّار المستقبل»، وأقام احتفاليّة عُظمى، بحضور العماد ميشال عون شخصيّاً، في أكبر فنادق لبنان للتوقيع على كتاب «الإبراء المستحيل» الذي يُفَنِّد كلّ ارتكابات تيّار «المستقبل». وبعد فترة قصيرة، وبسحرِ ساحرٍ، طوى العماد «الإبراء المستحيل» وتعشّى وتمشّى مع سعد ونادر وجبران في شوارع روما وباريس وأكملوا سويّاً المشوار الى قصر بعبدا، فتحوّل عنوان «الإبراء المستحيل» إلى: «مع الجنرال ما في شي مستحيل»، وأصبح سعد بمعزّة بناته. (هكذا للمرّة التاسعة فَعَلَ العماد عكس ما نادى به).
10- الى أن كسّر الجنرال كلّ الحواجز وتخطّى كلّ العواصف مع صهره، في تلك الليلة الهوجاء من كانون، ليوَقِّع في معراب على تفاهم «أخوي» انتهى بالكاتو وبشمبانيا المناسبة. وكانت الاحتفالية على مرأى ومَسمَع من كلّ المُرحّبين والمعارضين والمذهولين وغير المصدّقين. وعندما وصل الجنرال الى بعبدا، نسي الخبز والملح والكاتو والشمبانيا وصار يُحيل «الحكيم» على «تيريز». (هذا عاشر نكث بالوعود).
الوعود بالإصلاح
نُكمِل: وعَدَنا الرئيس عون والنائب باسيل بالإصلاح والتغيير وقاما فعلاً بالتغيير، فغيّرا كلّ موظّفي الدولة المسيحيّين غير العونيّين واستبدلاهم بمسيحيّين عونيّين باسليّين قِحّ، من أعلى الوظائف الى أدناها، وانتهى التغيير هنا. أمّا في الإصلاح فقد أصلحا الكهرباء والسدود ومناقصات استيراد النفط لمحاربة الكارتيلات ومنع انقطاع البنزين والمازوت. إلّا أنّ أرتال السيّارات أمام المحطات كذّبت الغطّاس. (هل تذكرون عهد الوزيرة بستاني ومناقصاتها الشهيرة؟)
هل تذكرون وعد الخمسة أيام لاكتشاف من فَجّر مرفأ بيروت ونصف العاصمة؟ هل تذكرون وعد تسليم لبنان بعد انتهاء الولاية بأفضل ممّا كان؟ هل تذكرون قصة تعديل المرسوم 6433 وتمسّك الرئيس عون بالخط 29 كخطّ نهائي لحدود لبنان البحريّة مع تخوين رئيس الحكومة السابق حسّان دياب ووزيري الماليّة والأشغال حينها، وعندما وقّعوا على تعديل المرسوم وأرسلوه إلى بعبدا لتوقيع فخامته، فاجأ الرئيس عون والنائب باسيل الجميع بإعلانهما أنّ الخطّ 29 هو خطّ تفاوضي بينما الحدود البحريّة الفعليّة هي على الخطّ 23؟ طبعاً لن ننكأ جِراح غزوة عين الرمّانة حيث حوّل النائب باسيل المُعتدى عليه الى مُعتدٍ، حمايةً لحقوقِ المسيحيّين.
هذا غيض من فيض ولا ينتهي العدّ.
وإستطراداً، ولعلّ الذاكرة خانتنا، هل من يستطيع أن يذكر لنا وعداً واحداً نادى به الثنائي «الرئيس عون والنائب باسيل» منذ العام 1988 وحتى اليوم، وحقّقاه؟ نحن لم نجد في مسيرتهما وعداً صادقاً واحداً.
ويأتيك، الذي يريد أن يجرف كلّ اعدائه على ضفة النهر، بثوب الحمل وبلباس الضحيّة والبريء ليحتمي بالصرح الذي أهانه يوماً، وليطلب من سيّد الكنيسة والوطن جَمعَه مُجدّداً ببيئته التي تخلّى عنها ليلتحق بمحور لا يشبهها ولا يشبه وطنه ولا تاريخه بشيء، وهو الذي لا ينفكّ ينظّر أنّ التكامل بين الدولة والمقاومة هو السبيل الوحيد لحماية لبنان.
والبارحة في مقابلته التلفزيونيّة، أبدَعَ النائب باسيل في دفاعه عن دور «حزب الله» ودور المقاومة، وأبدَعَ في تعبيره الصادق عن المكانة الخاصّة في عقله وقلبه للسيّد حسن وعن تفكيره به بشكل مختلف عن كلّ الناس، وكيف أنّ السيّد حسن بالنسبة له غير كلّ الناس.
هو ذاته النائب باسيل الذي كان منذ يومين بضيافة البطريرك الراعي، مستبقاً زيارة الرئيس عون، وقد ذهب الاثنان الى بكركي يَشْكُوان دعمَ «حزب الله» لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في خرق الدستور. سْكِيزوفْرِينيا وإنفصام !!
قيل لا يُلدَغ المؤمن من الجُحر مرتين، وقد لُدِغنا مرّاتٍ ومَرّات. الى «القوات» و»الكتائب» و»الأحرار» و»السياديّين» والمستقلّين من مُسلمين ومسيحيّين: إن كنتم مؤمنين، لا تتركوا جبران باسيل يلدَغكم ويلدَغنا مَرّةً أخرى فيأخذنا بالتذاكي وبالمفرق ويبيعنا «دكما»، وبالجملة، للمحور الذي ألغى لبنان عن الخريطة العالميّة.
إذا كان جبران باسيل يريد وساطة البطريرك، فليختصر الطريق ويسير في طروحات بكركي: تطبيقُ الدستور والقرارات الدوليّة. دولةٌ واحدةٌ لا دولتان. سلطةٌ واحدةٌ لا سلطتان. جيشٌ واحدٌ لا جيشان. الحيادُ ثمّ الحياد ثمّ الحياد، وإلّا فمؤتمر دولي لحماية لبنان.
(*) عضو الجبهة «السياديّة من أجل لبنان»