IMLebanon

قراءة في حديث رئيس الجمهورية إلى مجلة «باري ماتش» الفرنسية

 

عون :متمسّكون برئاسة الجمهورية و«حزب الله» يخضع للقوانين اللبنانية

 

 

في مقابلة له بالأمس مع مجلة «باري ماتش»، أعلن الرئيس عون تمسّكه برئاسة الجمهورية وأنه ليس نادماً عليها. وهذه مسألة لا يشكّ فيها أحد من اللبنانيين. كما أعلن أنّ حزب الله يخضع للقوانين اللبنانية، جازماً بأنّ مناصري الحزب لم يعتدوا على متظاهري الانتفاضة اللبنانية.

 

إنّ «شعب لبنان العظيم» يعرف شغف الرئيس عون بالرئاسة منذ العامين 1988 و1990، عندما توسّل كرسي بعبدا من العماد حكمت الشهابي المقرّب من الرئيس حافظ الأسد. وعلى خلفية أحادية القرار في المنطقة المسيحية، شنّ الجنرال حرب الإلغاء على القوات اللبنانية، وحاول تحجيم البطريرك صفير، المبارك لاتفاق الطائف؛ حتى أنه خاض حرباً انتحارية على القوات السورية في لبنان ألحقت الأذى بلبنان وبالمسيحيين، وتسبّبت بهجرة دافقة إلى الخارج. ثم انقلب العماد عون على شرعية الرئيس الهراوي من «قصر الشعب» في بعبدا، وغادر لبنان ليلاً عقب الهجوم السوري على المنطقة الشرقية في 13 تشرين الأول 1990 بحماية فرنسية، فيما كانت جثث شهداء الجيش على أيدي الوحدات السورية ملقاة في ساحات اليزرة وطرقاتها.

 

ولا نشكّ لحظة، أنّ الرئيس حصل على تعاطف كبير من اللبنانيين لتوقهم إلى «زعيم أسطوري» ينقذهم من الاحتلال السوري، ولو بتهوّر غير محسوب. فخاض اللبنانيون «معارك» مشرّفة ضدّ تسلّط السوري على لبنان. وعندما عاد الجنرال إلى البلاد عقب استشهاد الرئيس الحريري وانسحاب الجيش السوري في نيسان 2005، أعلن أنّ الخلاف مع النظام في دمشق قد انتهى بمجرد خروج قواته من لبنان، وذلك من دون محاسبة النظام على ما تسبّب به من مآسٍ بحقّ اللبنانيين في كلّ الاتجاهات، كما بأُسر شهداء اليرزة من العسكريين الذين جرى إعدام معظمهم وطمرهم.

 

بعودة الجنرال عون إلى لبنان، ابتدأت مرحلة جديدة من تاريخ هذا الرجل، ولن تنتهي بوصوله إلى سدّة الرئاسة الأولى العام 2016. كان وليد جنبلاط من أقسى المتصدّين لعودته ويعرف أنّ الجنرال يريد تزعّم قوى 14 آذار. فأطلق عليه مصطلح «تسونامي» الذي يجرف كلّ من يقف في طريقه. ولتحقيق حلمه السامي في الرئاسة، انقلب الجنرال على قوى 14 آذار، وتحالف مع حزب الله (تفاهم 6 شباط 2006) الذي كان سبق ووصفه بأقذع الأوصاف من على منبر جريدته «العهد» بين العامين 1988 و1990. ولأنّ المصالح السياسية فوق كلّ اعتبار، قدّم حزب الله الدعم لعون خلال الانتخابات النيابية العامين 2005 و2009، وفي الوقت ذاته، إلى قوى 14 آذار ضمن «التحالف الرباعي» في التاريخ الأول، لأسباب تتعلّق بتكتيكاته على الساحة اللبنانية. وقد أفهم عون جمهوره بأنّ التفاهم مع الحزب «يلبننه» ويضبط سلاحه، وهو أمر لم تتمكّن الدولة اللبنانية في السابق من تحقيقه، فيما الحقيقة أنّ سلاح الحزب أضحى أكثر تفلتاً منذ الحرب الإسرائيلية على لبنان وتدخّله في الثورة السورية. ومن خلال «تفاهم شباط»، حصل الحزب على «قناع وطني» لكلّ سياساته الفارسية ومشاريع الولي الفقيه في لبنان، وبعد ذلك في المنطقة؛ فيما استحوذ التيار الوطني الحرّ على معظم أصوات المسيحيين بدعم الحزب. وأعلن الجنرال في أكثر من مرّة، بنبرة طائفية، أنه الناطق باسم المسيحيين، ملغياً «الآخر» القواتي والكتائبي والمردة، زاعماً أنه يريد استعادة حقوقهم المسلوبة من قبل الطائفة السنيّة.

 

منذ ذلك التاريخ، شارك التيار الوطني الحرّ في كلِّ الحكومات اللبنانية، وتولّى أعضاء منه ومن تكتل التغيير والإصلاح وزارات «ذهبية»، فيما توالت مواقف الجنرال المؤيّدة لسياسة الحزب في لبنان، بدءاً من الاعتصام بوسط بيروت وتعطيل عمل مجلس النواب والاستحقاق الرئاسي بين العامين 2006 و2008، والحرب الإسرائيلية على لبنان، واجتياحه بيروت في أيار من العام الأخير وفرض «اتفاق الدوحة» الذي قلب الموازين لصالح الحزب، وفتح الباب على مصراعيه أمام إنخراطه في حرب النظام السوري على شعبه منذ العام 2011. ولشغفه بكرسي الرئاسة، شارك الجنرال حزب الله تعطيل الاستحقاق الرئاسي للمرّة الثانية بين الأعوام 2014 و2016، وفق تفاهم بينهما أدّى إلى وصول عون إلى بعبدا مقابل احترام الأخير مصالح الحزب. فشكّل ذلك انتهاكاً للدستور الذي يلحظ أنْ تجري اللعبة السياسية لهذا المنصب ضمن جدران مجلس النواب وليس خارجه، أي عبر التصويت الديمقراطي، كما كان يحصل منذ استقلال لبنان. إشارة إلى دخول أعراف غير دستورية بقوّة إلى عهد الرئيس عون؛ كحصة رئيس الجمهورية من الطاقم الوزاري. فالرئيس السابق ميشال سليمان طالب بوزير واحد عندما انتخب، لأنه أتى من المؤسّسة العسكرية ولا ينتمي إلى حزب. أما الرئيس عون فطالب بحصّة وازنة لنفسه، إلى جانب حصّة تياره الوطني الحرّ. كما لم يتصدَّ الرئيس للقوى السياسية والحزبية الفاسدة التي جعلت المؤسّسات والوزارات قلاعاً ومحميّات لطوائفها ومذاهبها، حتى أنّ تياره واظب على احتكار وزارات معينة. أخيراً، ومن الأعراف غير الدستورية للمرحلة العونية، تقديم التأليف على التكليف الملزم في الاستشارات النيابية لتسمية رئيس لمجلس الوزراء.

 

ومنذ وصول الرئيس عون إلى قصر بعبدا خريف العام 2016، بتسوية رعتها أطراف داخلية (القوات اللبنانية باتفاق معراب، وحزب الله وتيار المستقبل الذي كانت عَينُ رئيسه على الرئاسة الثالثة) ورعاية خارجية (الولايات المتحدة والسعودية)، بدا واضحاً أنّ الأمين العام حسن نصر الله يشكّل حماية ورافعة للعهد، وبأنه لن يسمح بإسقاط الرئيس، وهو ما ظهر خلال الانتفاضة اللبنانية وبعد تفجير مرفأ بيروت مطلع آب 2020 باتهامات التقصير التي وجّهت إليه. وفي المقابل، عمل حزب الله على تمتين صلاته بصهر الرئيس جبران باسيل، مستغلاً شغفه بالرئاسة الأولى للاستفادة منه إلى أقصى الحدود. وفي الوقت ذاته، قام الحزب بفرض سيطرته على المؤسّسات الدستورية الثلاث وغيرها التي أصبحت محميّات طائفية تحت إشرافه وتوجيهه، كما وضع يده على مرافق لبنان ومنافذه البحرية والجوية والبرية، وعلى سياسته الخارجية، وفوق كلِّ شيء فرض هيمنته على قراره لبنان السيادي؛ فكانت قيادات الحرس الثوري الإيراني تدخل الأراضي اللبنانية على هواها من دون حسيب أو رقيب. ولا ننسى تخريب حزب الله علاقات لبنان بمحيطة العربي، وبخاصّة الخليجي. وتحت سمع رئاسة الجمهورية وبصرها، استطاع السيّد نصر الله أنْ يجرّ لبنان إلى المحور الإيراني، وإعلان طهران بأنّ نفوذها في المنطقة يمتدّ من اليمن إلى ساحل المتوسط الشرقي؛ فتتعكّر بذلك علاقات لبنان مع دول الخليج، وبخاصّة مع السعودية، سواء بخطابات الأمين العام للحزب أو بتدخلاته في بلدان عربية، متجاهلاً مصالح حوالى نصف مليون لبناني يعملون هناك، فضلاً خسارة مساعدات وهبات مالية كانت الرياض تقدّمها للبنان بين الأعوام 1982 و2013، فاقت خمسة مليارات دولار. وأخيراً وليس آخراً، فرض الحزب على الدولة اللبنانية مقولة: «الجيش والشعب والمقاومة»، وظلّه على وزارات الدولة ومؤسّساتها.

 

صحيح أنّ الرئيس عون محقّ بقوله للصحيفة الفرنسية «إنّ الطبقة السياسية في لبنان تحمي الفاسدين، لأنها تستفيد منهم بطريقة مباشرة» (Il y a une classe politique qui protège les corrupteurs et cache leurs pratiques, car elle en profite de façon directe) إلا أنّه، كما هي العادة، لم يحدّد أسماء الفاسدين، مدعياً أنّ القضاء سوف يكشف ذلك. ويعرف القاصي والداني، حتى الدول الخارجية، أنّ حزب الله يحمي كلّ فساد الطبقة السياسية من مختلف الاتجاهات التي لم يسمّها الرئيس عون في مقابلته مع المجلة، وآخرها قيام الحزب بتهريب المواد الاستراتيجية والعملة الصعبة إلى سورية عبر حدود لبنان البرية معها الخاضعة لسيطرته باعتراف وزير الطاقة ريمون غجر الذي اشتكى من أنه لا يسيطر على تهريب المحروقات إلى الجارة سورية. كلّ ذلك لقاء غضّ الطرف عن سلاحه في الداخل وأنشطته في سورية، كما في مقابل المقولة: «الجيش والشعب والمقاومة» التي تتيح له ذراعاً طويلة على كل لبنان. من هنا، فإنّ التوظيفات العشوائية للقوى الحزبية، بمختلف ألوانها وأشكالها، بين الأعوام 2016 و2019، وقبلها وبعدها الصرف المفرط على قطاع الكهرباء (غالبية من تولّى وزارة الطاقة وزراء من حزب الله والتيار الوطني الحرّ)، والتعيينات الإدارية والمالية والقضائية، وفي مصرف لبنان، تسبّبت في عهد الرئيس عون بتسريع عملية الانهيار، خصوصاً إذا علمنا أنّ تياره يشارك في الحكومات اللبنانية منذ العام 2005.

 

وقد أدّى الهدر والسرقات والمناقصات الوهمية والسمسرات ومدّ اليد إلى مالية الدولة، إلى ارتفاع الدين العام إلى قرابة 100 مليار دولار أميركي، كما التوقف عن سداد القرض الأول من اليوروبوند، في الوقت الذي قام فيه المسؤولون والمتنفذون والطبقة السياسية بتهريب أموالهم بالدولار الأميركي إلى الخارج بصور مشبوهة تحت سمع رئيس الجمهورية وبصره، وباعتراف حاكم مصرف لبنان وجبران باسيل نفسه، وأخيراً، انهيار الاقتصاد والأوضاع الاجتماعية والمعيشية وسعر صرف العملة الوطنية، ما أفقر اللبنانيين وضرب الطبقة الوسطى، وجعل لبنان في المرحلة التي تلت النصف الأول من عهد الرئيس عون على حافة الإفلاس والانهيار واقترابه من مستوى الدولة الفاشلة.

 

هكذا، مستفيداً من وجود زعيمه في الرئاسة الأولى، تحوّل التيار الوطني الحرّ إلى طبقة سياسية نفعيّة تعمل على محاصصة لملء المراكز السياسية والوزارية والإدارية والمالية المهمّة وفي السلك الدبلوماسي بالأزلام والمحاسيب وأفراد العائلة بهدف إنشاء «بيت سياسي» دائم. فكانت وزارة الطاقة وكهرباء لبنان «مغارة علي بابا» في هذا الخصوص، كما الوزارات الأخرى، كالاتصالات على سبيل المثال التي وضعت في يد تيار المستقبل، ووزارة المالية التي حافظت عليها حركة أمل.

 

يقول الرئيس عون للمجلة ذاتها، إنّ حزب الله يخضع للقوانين اللبنانية. فلا نعرف على ماذا يبني مقولته هذه. عندما يضع الحزب مرافق لبنان ومنافذه البحرية والجوية، والبرية مع سورية تحت أمرته ويشرف على تهريب السلع، كما استقدام السلاح وإمداداته المالية من إيران وخلافها؛ أليس هذا انتهاك لقوانين البلاد؟ عندما يردّد حسن نصر الله أكثر من مرّة بأنّ صواريخ حزبه وأسلحته وأمواله وأكله وشربه من إيران، ألا يعتبر ذلك انتهاكاً للدستور اللبناني، كما تخابره كتنظيم حزبي «لبناني» مع دولة خارجية؟ وللإنصاف القول، إنّ هذا يحدث قبل عهد الرئيس عون واستشرى خلاله. وبعيداً عن ذلك، فقد نقض حزب الله توقعيه على «إعلان بعبدا» في 11 حزيران 2012، بألا يتدخّل في سورية، فاسحاً في المجال أمام انقسام حادٍّ بين اللبنانيين، وبخاصّة بين السنّة والشيعة، من دون أنْ نرى مواقف رافضة حاسمة للتيار العوني من موضوع زجّ لبنان في أتون الصراعات الإقليمية، ودور إيران في ذلك.

 

ونبقى في مجال الدستور اللبناني، فقد اعترف الرئيس عون خلال استقباله فريقاً من الإعلاميين في بعبدا، بأنه عَلِمَ بوجود مادة الأمونيوم في مرفأ بيروت بتاريخ 20 تموز، أي قبل أسبوعين من حدوث التفجير؛ لكنه لم يتدخّل حفاظاً «على التراتبية»، على حدّ قوله. فكان بذلك يضع كلّ عهده على المحك. فمن المعروف أنّ رئيس الجمهورية، بصفته مؤتمناً على الدستور والحامي له، والناظم لعمل المؤسّسات، يستطيع أنْ يتدخل في عمل الأخيرة، من دون استئذان. وقد جاء في المادة (49) من صلاحيات رئيس الجمهورية الدستورية: «رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن. يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقاً لأحكام الدستور». ولهذا، يقوم الرئيس بترؤس جلسات مجلس الوزراء ساعة يشاء، ويستدعي الوزراء ورؤساء الأجهزة الإدارية والأمنية والعسكرية والمالية وغيرها. وهذا يعني أنّه مسؤول عن حماية أرض لبنان وشعب لبنان الذي يعيش عليها. من هنا، فإنّ عدم تدخّله مباشرة في موضوع حيوي يشكّل تهديداً للأمنين القومي والمجتمعي اللبنانيين ولحياة مواطنيه ومستقبلهم وسلامة ممتلكاتهم، يجعله، كرئيس للجمهورية، مسؤولاً عن الكارثة، أخلاقياً وسياسياً، كما رئيس الحكومة حسّان دياب والمسؤولين عن المرفأ، من مدنيين وعسكريين وجمارك.

 

أخيراً، إنّ قول الرئيس بأنّ حزب الله لم يعتد على متظاهري الانتفاضة اللبنانية، فنعتقد أنّه كان من الأفضل الامتناع عن الإجابة على السؤال، بدلاً من ردّ يغالط الحقيقة التي يعرفها بالتأكيد. فليترك  التقارير الاستخباراتية والأمنية التي يأتيه جانباً، ويقرأ فخامته الصحف اللبنانية بين 18 تشرين الأول 2019 حتى حزيران 2020، عن تعدّيات حزب الله وأمل على المتظاهرين السلميين في بيروت ومناطق الجنوب وبعلبك وقمعهم، وما حصل ليلة الجمعة – السبت 12 حزيران 2020؛ من تخريب وحرق لوسط بيروت ومحالها، ما أنتج ردوداً مذهبية واستفزازاً لكلِّ الطوائف. ويعرف رئيس الجمهورية أنّ الحزب ينشد من خلال ترديد ميليشياته شعار: «شيعة شيعة» تحقيق غايتين: إنّ وجوده على الأرض في لبنان ينطلق من منظور طائفي-مذهبي، وإنّ علاقته بإيران، كقلعة للشيعة في العالم، تحقّق له مكاسب سياسية واستراتيجية.

 

وإذا عدنا إلى الوراء، فإنّ استعمال حزب الله «مقاوميه» وسلاحه في الداخل لم يتوقف عند 7 و8 أيار 2008؛ فنجد أنّ فائض القوة لديه يشكّل تهديداً للبنانيين، ولوظيفة الدولة ولجيشها الذي عليه أنْ يحميهم. وفي خطابه الأخير، طالب حسن نصر الله مؤيديه بالحفاظ على غضبهم إلى أنْ يحين الوقت لتغيير المعادلة على الأرض. فكان هذا تهديد واضح للبنانيين المناوئين لحزبه. ولا ننسى، ما ورد في خطابه الأخير، بدعوة معارضيه السياسيين إلى الرحيل من لبنان، وكان المقصدود بذلك سعد الحريري. إنّ تاريخ الحياة السياسية في لبنان لم يعرف هذا النمط من العلاقات المستجدّة بين القوى السياسية والحزبية.

 

هكذا، فخامة الرئيس. إذا كنتم تتمسّكون برئاسة الجمهورية وغير نادمين عليها، نقول لكم بصراحة ومن دون رياء ونفاق، فلا تعتقدون أنّ كارثة مرفأ بيروت أعادت انفتاح العالم على حكمكم، كما أمِلَ السيد حسن نصر الله. فقد أعلنت الدول أنها تقدّم مساعداتها إلى الشعب اللبناني مباشرة وليس إلى الدولة اللبنانية، وهذا أكبر دليل على عدم ثقة بالحكومة وبالطبقة السياسية الفاسدة في عهدكم، حيث اعترفتم أنّ هذه الطبقة هي المستفيد المباشر من الفساد.

 

إنّ الشعب اللبناني ينتظر بفارع الصبر الوطني انتهاء عهدكم بأية طريقة، وهو غير متمسّك بكم، كما يقولون لكم المستشارون والمنتفعون، فضلاً عن صهركم باسيل. فمنذ الطائف يعيش هذا الشعب تحت حكم ترويكات وميليشيات وعصابات ومافيات جرّدته من أبسط ضرورات الحياة الكريمة. ومنذ العام 2016، تاريخ وصولكم إلى قصر بعبدا، يئنّ هذا الشعب من ظلم طبقة سياسية فاسدة جدّدت نفسها بانتخابات العام 2018؛ فأفقرت لبنان وأفلسته وأذلّت اللبنانيين، وخرّبت علاقات بلدهم بالعالمين العربي والدولي، وأوصلت «لبنان الكبير» الذي نشتهي الاحتفال بمئويته الأولى إلى قعر الهاوية.

 

وفي الوقت نفسه، يعيش اللبنانيون تحت قهر سلاح قضى على شرعية دولة ومؤسّساتها وقرارها السيادي، كما على مسألة بديهية، وهي أنْ يكون الجيش اللبناني القوة العسكرية الوحيدة المخوّلة حماية للوطن. من هنا، كان على فخامتكم، وأنتم المؤتمنون على استقلال لبنان وسلامة أراضيه، وفق الدستور، أنْ تعملوا على إخراج لبنان من سياسة المحاور المهلكة لوجوده، وتدعموا وتساندوا البطريرك الراعي في دعوته إلى حياد لبنان، لا أنْ تصرّحوا إنّ الموضوع يحتاج إلى توافق اللبنانيين. فلو انحزتم إلى حياد لبنان وسيادته، لشكّل اللبنانيون الأغلبية الساحقة وراء مطلب الحياد، ولاستعدتم جزءاً من شعبيتكم المتآكلة، وأوقفتم تدهور حال تيّاركم.