IMLebanon

كان صَرحَاً مِنْ خَيالٍ فَهَوى

 

أكثر من 35 عاماً منذ أيلول 1988، يوم تمّ تعيين قائد الجيش العماد ميشال عون رئيساً لحكومةٍ انتقاليّة مهمتها الوحيدة العمل على انتخاب رئيسٍ للجمهوريّة. حكومةٌ أُعلِنت سُداسيّة فأصبحت ثلاثيّة بعد أقلّ من ساعة بِفِعلِ انسحابِ ممثّلي الطوائف الاسلاميّة منها بِعَكسِ ما كان وَعَدَ به العماد عون في حينه. ومنذ ذلك التاريخ، يُصرُّ الرئيس ميشال عون ووريثه النائب جبران باسيل على الادّعاء أنّهما ضنينان بمصلحة المسيحيّين وبحقوقهم، خاصّة الموارنة منهم، ضنينان أكثر من الكنيسة وبكركي، وأكثر من البطاركة أنفسهم.

 

 

لا نريد استرجاع صُوَر تِلكَ الليلةِ المشؤومةِ غير المسبوقة بالتاريخ، لَيلَ الخامس من تشرين الثاني من العام 1989 حيث تعرّض عشرات القوّادين والعاهرات لرأس الكنيسة الرزين الرصين الكبير، البطريرك صفير، داخِلَ الصَرحِ البطريركي، تَعَرَّضوا له بأبشع ما يمكن تصوّره، وقد نُصِّبَت صورة ميشال عون على الكرسي الذي يجلس عليه حصراً البطاركة منذ أن وُجِدَت الكنيسة المارونيّة. كان هذا للقول أنّ ميشال عون هو البطريرك وهو رأس الكنيسة. كانت تلك الليلة قمّة التجديف. واليوم “بدبلوماسيّة ماكرة” و”بفجورٍ ناعم” يعمل “التيّار الحرّ” ضدّ مشيئة الكاردينال الراعي الحريص كلّ الحرص، كما أسلافه الكبار على الوطن والطائفة، يعمل باسيل ضدّ البطريرك وضدّ رغبة البطاركة والاساقفة بالنسبة لموضوع التمديد لقائد الجيش، وذلك بِحِجَجٍ واهيةٍ لا تنطلي على أحد.

 

جبران باسيل لا يريد لقائد الجيش أن يبقى في القيادة لسببين: الأول، لكي يتسنّى له وضع اليَد على المؤسسة الوحيدة الصامدة في هذه الدولة، والسبب الثاني، لكي يَمنع عن جوزاف عون أي أمَل بالوصول الى قصر بعبدا.

 

لَن نتحدّث اليوم عن مَصلحة وخَلفِيّة مُرشدي النائب باسيل وحُماتِهِ في التضامن معه لعدم التمديد لقائد الجيش، فالجميع يَعلَم الجواب. المهمّ أنّ الأنبياء الكذبة المتشدّقين بِحقوق المسيحيّين مع إصرارهم على الاستهزاء بمواقف البطاركة والأساقفة الكاثوليك وغير الكاثوليك الذين عبّروا بشكل واضح ومعلّل عن تمسّكهم بالقائد والقيادة الحاليّة للجيش، هؤلاء المتشدّقون باتوا مكشوفين أمام الرأي العام المسيحيّ واللبنانيّ والعالميّ، وشرعيّتهم الشعبيّة آخذة بالانقراض يوماً بعد يوم.

 

فَمِن أين سيستمدّ “التيّار الحرّ” شرعيّته بعد اليوم؟ أَهَل من طلّاب الجامعات، كلّ الجامعات دون استثناء، حيث أثبتت نتائج الانتخابات الطلابيّة الجديدة أنّ الحالة الباسيليّة الى زوال حتميّ؟ أم مِن انتخابات نقابة المحامين حيث حاز الخطّ السياديّ على الأغلبيّة الساحقة في “أُمّ النقابات” بِحَيث عجز “التيّار الحرّ” عن إثبات وجوده بإيصال مرشّحه وَلَو الى العضوية؟

 

فَمِنَ الأموال و”الذهبيّات” واجراس الكنائس التي قُدّمت “للجنرال” بَعدَ “شيطنة” الجميع وتقديس الذات في تسعينات القرن الماضي، الى تسونامي العام 2005، فإلى بلوغ سدّة الرئاسة في العام 2016 مع أكبر كتلة نيابيّة ووزاريّة، نردّد اليوم مع العظيمة “أم كلثوم” أنّ كلّ هذا كان: “صرحاً مِن خيالٍ فهوى”.

 

(*) عضو “الجبهة السياديّة من أجل لبنان”