يفكر الرئيس العماد ميشال عون (89 عاماً إلّا شحطة) في قرارة نفسه أنه لا يزال القائد الأعلى للقوات المسلحة، وله، وليس لأي أحد سواه، الكلمة الفصل في تزكية قائد جديد للجيش اللبناني، من هنا قوله قبل أسبوعين لبعض زوّاره «على جثتي ما بيتمدد لجوزاف عون»؛ قول لم ينفِه الرئيس التاريخي للجمهورية.
ويعتقد الرئيس عون إعتقاداً راسخاً أن تكليف ضابط عوني الهوى بقيادة الجيش بالإنابة، إن تعذّر تعيين قائد جديد، من الحلول التي تؤمن استمرارية أبوّته ورعايته للمؤسسة العسكرية. عون هو الأب والإبن وروح قدس المؤسسة. سبحان الحي الباقي.
ويؤمن مؤسس التيّار الوطني الحر أن مهما تقلّبت الظروف، ستبقى له كآخر رئيس، ولصهره من بعده، اليد الطولى في التعيينات المارونية كون التيار البرتقالي، على المستوى السياسي، هو الممثل الشرعي للمرشد الأعلى في البيئة المسيحية، من هنا حرص المرشد على مراضاة باسيل والوقوف على خاطره مهما بالغ في التدلل والعناد.
في المحصّلة ألف مرة قائد جيش بالإنابة وولا مرة التمديد لجوزاف عون.
ألف مرة فراغ رئاسي وولا مرة سليمان فرنجية.
كل المؤسسات ماشية بالإنابة.
كل البدلاء ينوبون عن الأصلاء.
الرئيس نبيه بري ينوب عن قيادة «الحزب» في التفاوض مع ممثلي «أمريكا» ومبعوثيها.
الرئيس الأرثوذكسي الياس بو صعب ينوب عن الرئيس الشيعي في تزييت وتشحيم الآليات البرلمانية.
الرئيس السني (ورفاقه في الحكومة) ينوب عن الرئيس الماروني بكل صلاحياته ما عدا توزيع الأوسمة والإبتسامات.
معظم المدراء العامين يشغلون اليوم مواقعهم بالإنابة أو بالتكليف الشرعي لعدم إمكانية التعيين.
وهناك باقة من المدّعين العامين في ردهة الإنتظار أمام مكتب المدعي العام: من سيخلف بينهم القاضي غسان عويدات ويشغل منصبه الطليعي بالإنابة.
في حمأة الإنابات أنسانا وسيم منصوري اسم رياض سلامة. هو اليوم الوالي بالوكالة. كما أشعرنا حضور الأخ حسين أمير عبد اللهيان بيننا في هذا الخضم أنه يشغل منصب وزير خارجية لبنان بالإنابة.
وليس سرّاً أن «الحزب» يمارس بالإنابة صلاحيات المجلس العسكري ومجلس الدوما، وهيئة الأركان، والقوى الوطنية والتقدمية، والجيش والحكومة وصلاحيات الله المنصوص عنها تحت بند نصرة مستضعفي الأمة. كما أن «الحزب» يُشغل العدو بالإنابة عن الساحات البعيدة ويشغل بال اللبنانيين الآمنين في آن.
والإنابة في أحد معانيها السامية تعني الرجوع إلى الله بكل الأمور، البسيطة والجسيمة. يا الله أنر طريقنا ومستقبلنا. كم يبدو الغد مبهماً ومعتماً لولا وجود شعلة النور في مكان ما في الرابية.