لأن الأمور بخواتيمها، أثمر الاهتمام الدولي بلبنان، غداة اتفاق وقف إطلاق النار، إنهاء الفراغ الرئاسي وانتخاب جوزاف عون تحديداً، على الرغم من اجتهادات رموز محور الممانعة البائد للتشاطر، ليتبين لاحقاً أن الاتفاق هو جزءٌ من سلة فُرِضت على «حزب الله»، وأن القرار اتخذ. وما كتب بحبر سري صار جهاراً في نهار التاسع من كانون الثاني…
كان المطلوب دولياً إنجاز الاستحقاق… والصورة التقريبية للرئيس أضحت صورة فعلية، وبدأت تحتل مكانتها في الدوائر الرسمية.
تبدل الاسم الأول من ميشال إلى جوزاف، لننتقل من عون إلى عون مع آمال واسعة بأن لا تشبيه ولا نقاط مشتركة بين عونية الأول ووطنية الثاني، ولتتجلى مشهدية جديدة للقوى السياسية اللبنانية:
الأول في استيعاب المشروع كان وليد جنبلاط، فبادر إلى تأييد الرئيس مسبقاً قارئاً المرحلة المقبلة بوعي مشهود له. إلا أن اللافت كان موقف سمير جعجع كصانع لرئيس عوني جديد شتان ما بينه وبين الأول، فشكل علامة فارقة من خلال تحركه في الساعات الأخيرة كعراب للمعارضة، والاستلحاق بقطار التغيير وبحنكة تسجل له. ولم تنفع الحملات المضللة التي سارع إليها «حزب الله» لإظهار أن انتخاب جوزاف عون هزيمة لجعجع، في حين أن الحدث شكل هزيمة للممانعين الأشاوس الذين يحاولون صرف النظر عما لحق بهم من خلال محاولتهم تصدير انتصار وهمي إلى بيئتهم المنكوبة بهم وبالاعتداءات الاسرائيلية.
كذلك ليس مهماً تسريبهم أن صفقة ما عُقِدت لصالحهم، وقضت بتأكيد المجتمع الدولي على تنفيذ الانسحاب الإسرائيلي وإعادة الإعمار، فالاتفاق على وقف إطلاق النار قضى بذلك من أجل لبنان وليس من أجلهم، وذلك مقابل إنهاء دور الحزب العسكري ليس فقط جنوبي الليطاني وإنما أينما كان، واستمراره منزوع السلاح، وأي لعب على المستجدات سيبقى مجانباً للواقع.
وليس سيناريو الشكل الذي تمثَّل بتأجيل الساعتين وزيارة علي حسن خليل ومحمد رعد لفخامته، إلا لحفظ ماء الوجه والإيحاء بأن لا إمكانية لانتخاب جوزاف عون من دون موافقة الثنائي الشيعي، الذي فقد القدرة على الوقوف بوجه الموجة الدولية والإقليمية.
ولعل نفوذ الثنائي سيظهر حجمه مع اختيار رئيس الحكومة، ومن ثم تشكيلها وبدء تطبيق بنود السلة المتكاملة لجهة الأمن والإصلاح، ليكتشف اللبنانيون أي ضمانات تمت مقايضتها بالأصوات، لا سيما أن خطاب القسم يدحض أي احتمال لوجود صفقة تتعلق بوزارات وامتيازات من خارج الدستور.
ويبقى الخاسر الأكبر جبران باسيل، الذي يواصل إنكار فقدانه امتيازاته كصهر وكحليف ذهبي لمحور الممانعة البائد. والأهم خسارته سلاح التعطيل الذي ساهم بسحق اللبنانيين من خلال اغتيال مؤسسات الدولة ونهبها، وخيبته كبيرة مع فشله في منع وصول جوزاف عون إلى قصر بعبدا بحجة غيرته المستجدة على الدستور، على أمل تأكيد نهايته السياسية مع الانتقال من عون جهنمي إلى عون وطني.