لا يبدو تصعيد “الثنائي” في اللغة والمضمون مفهوماً ولا مستساغاً. هو كان أحد الأطراف التي التقاها الرئيس إيمانويل ماكرون وأخذ موافقتها سلفاً على طبيعة الحكومة المطلوبة والبرنامج الذي ستتعهد تنفيذه. وافق “الثنائي” على استشارات ماكرون مثله مثل الآخرين الذين تحلقوا حوله في قصر الصنوبر، وعندما طرح اسم السفير مصطفى أديب هرع مع غيره لتسميته، فكلفه رئيس الجمهورية مسنوداً الى غالبية نيابية ساحقة ماحقة.
ومهما قيل اليوم عن أسباب منع حكومة أديب من إبصار النور، سيبقى تمسك “الثنائي” بوزارة المالية وحق تسمية الوزراء الشيعة، سبباً جوهرياً يعيق ولوج طريق الحل. ولم يعد منع ولادة الحكومة نتيجة وحيدة لهذا السلوك “الثنائي”، ففي مشهد غريب من نوعه، صارت المداورة مطلباً يتعدى الوزارات ليطال “بعض” الرئاسات بدءاً من رئاسة الجمهورية، مما ليس له علاقة بالمشكلة المطروحة. وبات واضحاً ان حجم “الانتفاخ والنفخ” المذهبيين بات خطراً على أصحابه قبل الآخرين. وشهدنا نماذج عنه لدى طوائف ومذاهب بل ودكاكين أخرى على امتداد سنوات الحروب اللعينة.
لذلك كله تحدث الرئيس ميشال عون. قد يكون تأخر، لكنه قال كلاماً حاسماً ووجه رسالة واضحة الى “الصديق الحليف” السيد حسن نصرالله. أوضح ان البلد ذاهب الى جهنم اذا لم تتشكل الحكومة بالمعايير المطروحة لها، وهو اذ وجه ملاحظة شكلية الى أديب بسبب امتناعه عن مشاورة الكتل، قرأ في الدستور وما ينص عليه بخصوص مهمة الوزير ورئيس مجلس الوزراء، وطرح مخرجاً يقوم على عدم تثبيت أي وزارة سيادية لطائفة او مذهب…
كان ذلك يعني رفضاً من رئيس الجمهورية للشروط الثنائية المُبالغ فيها… ورسالة الى الصديق نصرالله طلباً للعون. فماذا سيقول المرشد للرئيس؟
يعرف نصرالله، الذي لم يبخل في إطلالاته الأخيرة في مدح شريكه في تفاهم مار مخايل، أن ما تبقى من عهد حليفه ليس مدة طويلة، وأن قيام حكومة تتمتع بصدقية شعبية داخلية ودعم دولي هو شرط للإستجابة لحاجات البلاد وشعبها، ولجعل عهد الحليف يستعيد بعض التوازن بعد الانهيارات المتلاحقة على مختلف الصُعُدْ. وهو يعرف ايضاً ان النفخ في الآتون المذهبي سيثير جميع الآخرين ولن يستجيب لمصلحة المواطنين الشيعة.
وليست العقوبات ضد “حزب الله” أو غيره سبباً لعرقلة قيام حكومة. فهي فُرِضَت سابقاً وستستمر ما دامت المعركة مفتوحة بين الأميركيين والغربيين والإيرانيين. وإذا كانت الارتباطات الأيديولوجية الحزبية تفرض انحيازاً الى ايران، فإن الهوية والانتماء والمصلحة تفرض التفكير ملياً بالمصير الوطني اللبناني.
ولأول مرة، هذا ما طلبه الحليف الرئاسي من حليفه، ومن دون مجاملات.