IMLebanon

أية دولة وأي رئيس… وأين الرئيس القوي؟!  

 

 

لم يأتِ في تاريخ لبنان الى رئاسة الجمهورية، شخص كالرئيس ميشال عون… لأنّ كل شخص قريب منه، أو يمتّ بصلة إليه، لا تجوز محاسبته ولا مساءلته، حتى ولو عمد رئيس الحكومة، وبموجب الصلاحيات الموكلة إليه، الى نقل موظف مقرّب من رئيس الجمهورية، فهو إذ ذاك يتمنّع عن التوقيع بحجة أنّ هذا القرار بحاجة الى موافقة مجلس الوزراء مجتمعاً.

 

لذا بتنا نحن اليوم نعيش في ظل نظام، يمكن للموظف «المدعوم» منه فعل ما يشاء ولا يجرؤ أحد على محاسبته، فالمدعوم عونياً، يسرح ويمرح ولا يستطيع حتى رئيس الحكومة مساءلته.

 

إلى ذلك، يعيش اللبناني اليوم في ظل أزمة معيشيّة خانقة، ووسط انهيار متسارع في الأحوال الاقتصادية، هو الأكثر سوءاً منذ عقود، لم تسلم منه أي طبقة إجتماعية، لم نشهدها في حياتنا.

 

وكان انتشار جائحة «كورونا»، قد جاء ليشترك مع أزمة مالية خانقة يشهدها لبنان، حتى وصفها البعض بأنها أكثر الأزمات تهديداً لاستقرار لبنان منذ الحرب الأهلية، وقد أدّت جائحة كورونا المستجدة الى أن يصبح نصف اللبنانيين تقريباً، يعيشون تحت خط الفقر، في وقت تشير التقديرات الى أنّ نسبة البطالة في البلاد، ربما تصل حالياً الى الاربعين في المائة.

 

إنّ لبنان يتجه الى تكرار مجاعة 1915- 1918، التي مات فيها نصف سكان البلاد آنذاك، وقد ينزلق لبنان نحو انعدام الأمن الغذائي للمواطن المغلوب على أمره.

 

وأمام هول ما يعانيه المواطن اللبناني، تقف الدولة عاجزة بل قاصرة عن تأمين أولويات معيشته، متفرّجة على كل ما جرى ويجري وكأنها «شاهد مشفش حاجة».

 

ولنبدأ بتبيان عجز الدولة الذي ليس بحاجة الى أدلة وبراهين، ولنبدأ ببعض المشاكل التي برزت، حتى ان الدولة كانت طرفاً في إذكاء شعلتها، وزيادة حِدّتها:

 

أولاً: شهدت وزارة التربية سجالات واسعة، ومعارك كلامية ضارية، بعد قرار الوزير طارق المجذوب بإقالة الدكتورة ندى عويجان كرئيسة للمركز التربوي للبحوث والإنماء معلّلاً قراره بـ»ان التزوير هو تكليف موظف زوراً، وتعديل قراره لاحقاً لا لسبب، إلاّ قرابته بمن عيّـنه وأبقى عليه خمس سنوات، من دون إنتاج يذكر مع الكثير من المحسوبيات». تعليل الوزير جاء رداً على منتقدي قراره، واتهامه بتزوير تاريخ إصدار القرار.

 

وبعد المماحكات السياسية الصاخبة، وتدخل الوزير السابق الياس أبو صعب، تمّ استدعاء مدير عام وزارة التربية فادي يرق ومديرة برنامج PMU للتعليم الشامل صونيا خوري من قِبَل المحامي العام المالي القاضي جان طنوس حول الإخبار المقدّم من المحامين: حسن بزي، هيثم عزو، جاد طعمة، مازن صفية وباسل عباس بتهم المخالفات الجسيمة داخل الوزارة والمتمثلة في برنامج الأمم المتحدة لتعليم اللاجئين.

 

ثانياً: قضية عون وسلوم

 

لقد شكّل قرار النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون بإصدار مذكرة بلاغ وبحث وتحرٍّ بحق رئيسة مصلحة تسجيل السيارات المهندسة هدى سلوم، وخمسة موظفين، تحدياً غير مسبوق لوزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي، لا سيما وأنّ المذكرات صدرت إثر رفض وزير الداخلية مثول المهندسة سلوم أمام القاضية عون أو التحقيق معها. كما شكّل تعدّياً على صلاحيات النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، بوصفه رئيساً للنيابات العامة، والضابطة العدلية في كل لبنان، وتجاوزاً للتعليمات التي أعطاها لصرف النظر عن استدعاء سلوم للتحقيق غداة امتناع وزير الوصاية عن إعطاء الإذن بالملاحقة.

 

وتعكس خطوة القاضية عون، المحسوبة على «التيار الوطني الحر»، عمق الصراع بين الأحزاب والقوى السياسية، وعجز الدولة عن إيجاد الحلول، بل انّ هذه الدولة بحيازها للبعض ساهمت وتساهم في إذكاء الخلافات.

 

وتشير مصادر قضائية الى أنّ الإجراء الذي اتخذته القاضية عون بملف يعود لعام 2016 غير قانوني، لأنّ هذا الملف قيد التحقيق أمام النيابة العامة المالية. هذا الامر دفع القاضي عويدات الى إلغاء مذكرات البحث والتحرّي، وإطلاع مجلس القضاء الأعلى على حقيقة ما حصل.

 

ثالثاً: التشكيلات والمناقلات القضائية:

 

لقد ردّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مشروع مرسوم التشكيلات والمناقلات القضائية، التي أعدّها مجلس القضاء الأعلى، مورداً سلسلة ملاحظات لا يُفْهم منها إلاّ محاولة عرقلة التشكيلات لمحسوبيات معيّنة منها نقل القاضية عون من مركزها، وهي أكدت أنّ التشكيلات شخصانية ومجحفة في حقها وفي حق كثيرين من القضاة، ولا تزال الأوساط السياسية والقضائية تنتظر مصير التشكيلات والمناقلات المجمّدة «كرمى لعيني القاضية عون»، وبعد إصرار مجلس القضاء عليها، الذي يخشى من أن تتجمّد هذه التشكيلات نتيجة ضغوط سياسية والإبتعاد عن مبدأ الحيادية، ومبدأ إستقلالية القضاء.

 

رابعاً: إنفجار المرفأ ورفض عون توقيع إعفاء بدري ضاهر

 

قرّر رئيس مجلس وزراء تصريف الأعمال حسان دياب إعفاء ضاهر مدير عام الجمارك من مهامه، ووقع قرار الإعفاء ايضاً وزير المالية غازي وزني. إلاّ أنّ مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية، أشار الى أنّ الرئيس ميشال عون رفض التوقيع بانتظار تطبيق الإجراء المطلوب على جميع الموقوفين عدلياً، عملاً بمبدأ المساواة.

 

خامساً: باخرة البنزين «الشبح»

 

أثارت قضية باخرة البنزين Jaguar5 استغراباً شديداً ودهشة عارمة في ظل دولة «لا تهش ولا تنش».. فقد أكدت المديرية العامة للنفط – إدارة منشآت النفط في بيان، عدم علمها بالباخرة الموجودة قبالة الزهراني في المياه الإقليمية اللبنانية، وأنها تجهل مصدرها، وهي المحمّلة بـ2989 طناً من البنزين، تبيّـن بعد التحقيق مع قائدها وطاقمها، وبعد التدقيق في المانيفست وبوليصة الشحن عدم وجود شركة مستوردة للبضاعة. لكن تبيّـن ايضاً أنّ الحمولة هي لصالح شركة النعم السورية، ومركزها حرستا دمشق. وقيل إنّ شركة النعم السورية تتواصل مع نافذين في لبنان، لإدخال شحنة البنزين عبر الأراضي اللبنانية، كي تُهرّب الى سوريا في خطوة إلتفافيّة على «قانون قيصر».

 

سادساً: التهريب الى سوريا

 

تعتبر المعابر غير الشرعية وحتى الشرعية أحياناً، سوقاً للتهريب الذي يؤدي الى خسائر فادحة على الاقتصاد اللبناني، وآثار سلبية على أمن البلد. فالسلع السورية المنافسة للإنتاج اللبناني، تسرح وتمرح على طول الحدود بين البلدين، ولا ننسى المحروقات المهربّة والمدعومة من مصرف لبنان الى سوريا وحرمان اللبنانيين منها، وهم يعيشون حالة من التقنين الشديد عليها.

 

سابعاً: جائحة كورونا:

 

يواصل عدد المصابين في ڤيروس كورونا ارتفاعه، وتحدّثت معلومات عن هلع من التحاق لبنان بالتجربة الإيطالية أو الاسبانية.

 

ويشدّد كثيرون أنّ خلية الأزمة يجب أن تولي الأزمة حقها وتطبيق القرارات وتنفيذ ما يصدر منها بحزم وإلاّ فالخطر القادم كبير كبير.

 

ثامناً: التعويض عن أضرار الإنفجار

 

لم يعد خافياً أنّ إهمال الدولة وأجهزتها ومسؤوليها يشكل أحد مسببات الانفجار الذي أصاب مرفأ بيروت في الرابع من آب، هذا الانفجار الذي أودى بحياة أكثر من 200 ضحية، وأكثر من 5000 جريح وأوقع أضراراً مادية تقدّر بمليارات الدولارات، وشرّد آلاف العائلات.

 

ويبقى السؤال: مَن سيعوّض على الافراد والمؤسسات خسائرها؟ وأين الدولة من كل هذا؟

 

إنّ الدولة اللبنانية لا تزال كالطفل اليتيم الضائع، لا يعرف أحد من اللبنانيين لا كيف تعمل ولا من هم المسؤولون عنها وفيها. وما زالت منبوذة وقت الشدائد ومرغوبة في أثناء تقاسم الغنائم، بسبب تركيبة النظام اللبناني وآلية عمل الطبقة السياسية في هذا البلد.

 

إنّ كل طرف يتهرّب من «الفساد» المتفشي في الوطن بشكل كبير.

 

وهنا لا بد لنا من التساؤل أخيراً…

 

في أية دولة نعيش؟ وفي عهد أي رئيس؟ وأين الرئيس القوي يا ترى؟!!!