Site icon IMLebanon

هل تقترب «13 تشرين» جديدة؟

 

اذا لم يحدث أي طارئ، فإنّ الاستشارات النيابية لن تؤجَّل. هذا على الأقل ما يشي به جمود المواقف من تكليف سعد الحريري بتشكيل الحكومة العتيدة، وهي نفسها المواقف التي دفعت رئيس الجمهورية الى تأجيل الاستشارات الأسبوع الماضي، أملاً بحلحلة سياسية، تسمح بمدّ جسور، ولو متخلخلة، على خط التيارين البرتقالي والأزرق.

انطلاقاً من هذا الجمود الداخلي، والذي يقابله ضغط خارجي، تتقاطع القراءات السياسية عند اعتبار «أنّ رئيس الجمهورية لم يعد يمتلك هوامش كبيرة للتأجيل من أجل «مزيد من التشاور»، وبذلك فإنّ سعد الحريري سيفرض نفسه رئيساً مكلّفاً «ثقيلاً» على العهد وصهره النائب جبران باسيل».

 

وتتقاطع أيضاً عند اعتبار «انّ تكليف رئيس الحكومة (سعد الحريري)، لا يعني بالضرورة أنّ خواتيم التأليف ستكون سعيدة. فالستاتيكو السياسي الذي يضمن للحريري تسميته، والذي يكبح بالتالي أي رغبة محتملة من قِبل رئيس الجمهورية للتأجيل، هو نفسه الذي يجعل التوافق على طبيعة الحكومة العتيدة وتشكيلتها عنوان معركة حامية الوطيس، سيسعى فيها «العهد» الى تحقيق مكاسب تعوّض «خسارته» في عملية التكليف».

 

ولا يغيّر في الأمر حجم الضغوط الخارجية، التي تُمارس على الفرقاء السياسيين في لبنان، إن من باريس أو واشنطن، فهذه الضغوط، حتى الآن، لا تزال مقتصرة على التكليف. وهذا ما تشي به التسريبات الديبلوماسية التي تفيد بأنّ فرنسا تمارس ضغطاً هائلاً حتى لا تُؤجّل الاستشارات، وانّها تبذل كل ما في وسعها لإنجاح عملية تكليف الحريري، قبل الانتقال إلى مرحلة اعادة إحياء المبادرة الماكرونية في عملية التأليف.

 

ينطبق ذلك بطبيعة الحال على موقف الإدارة الأميركية، التي تستعجل بدورها عملية التكليف، وإن كان من المؤكّد أنّها ليست على موجة واحدة مع الإدارة الفرنسية، في ما خصّ عملية التأليف، إن لجهة العمل على استبعاد «حزب الله» من الحكومة الجديدة، أو في الإصرار على أن تكون التشكيلة الحكومية من «الاختصاصيين المستقلين»، أو في الإصرار على التزام الحكومة العتيدة بخريطة طريق صندوق النقد الدولي.

 

انطلاقاً من ذلك، فإنّ كل المؤشرات، كما يقول سياسيون، توحي بتعثر عملية التأليف، ودخول لبنان مجدداً في الدائرة المفرغة، التي باتت سمة تشكيل الحكومات، وفق سيناريو بات معلوماً – أو بالأصح مملاً، تتلخص فصوله على النحو التالي: تكليف، فألغام، فجمود… فربما اعتذار!

 

وثمة من هؤلاء السياسيين من يعتقد «أنّ الألغام السياسية، لا سيما التي في جعبة «العهد» وباسيل، باتت جاهزة. تأجيل الاستشارات النيابية بحدّ ذاته كان أولها، وشعار «الميثاقية»، الذي بات حلّاً يراد به باطل، سيكون الورقة الحمراء التي ستُشهر في الأساس من قِبل رئيس الجمهورية و»التيار الوطني الحر»، وربما من قِبل «القوات اللبنانية»، في إطار تسجيل النقاط على خصومها البرتقاليين و»حزب الله» على حد سواء، وهو ما سيجعل أولى العقد التي ستواجه عملية التأليف الحكومي، متمثلة في إصرار مفترض من رئيس الجمهورية على تسمية الوزراء المسيحيين، أسوة بالوزراء السنّة، الذين يفترض أن يسمّيهم الحريري، والوزراء الشيعة الذين سيسمّيهم «الثنائي»، حركة «أمل» و»حزب الله».

 

ويعتبر اصحاب هذا الكلام، انّه «اذا كانت الأزمة الحكومية في نسختها السابقة قد تمثلت في عقدة تسمية الوزراء الشيعة، ولا سيما وزير المالية، بعد تعنّت ما يُسمّى «نادي رؤساء الحكومات السابقين»، فإنّ البراغماتية التي سيعتمدها الحريري في عملية التأليف، وعطفاً على بيان «تجرّع السم» الشهير، يفترض أن تتجاوز أزمة التمثيل الشيعي، ولكنها بالتأكيد لا يمكن أن تحلّ عقدة التمثيل المسيحي، لا سيما أنّ الحريري نفسه قد رسم لنفسه مساراً حكومياً، منذ استقالة حكومته بعد اسبوع على انتفاضة 17 تشرين الأول من العام الماضي، يمكن تلخيصه باستحالة أن يترأس حكومة تضمّ جبران باسيل، لا سيما بعد انهيار التسوية التاريخية التي أفضت الى انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية في العام 2016».

 

بهذا المعنى، يضيف هؤلاء، فإنّ «تجربة التأليف مع سعد الحريري قد تكون تكراراً لتجربة التأليف مع مصطفى أديب، مع متغيّر جوهري هذه المرة، يتمثل في انّ الصراع لن يكون سنّياً – شيعياً، كما كانت الحال قبل أسابيع، بل سيكون حريرياً – عونياً، وهو صراع، وإن كانت مخاطره أقلّ من الناحية الأمنية – أخذاً في الحسبان حساسية الشارعين السنّي والشيعي، وهي الحساسية نفسها التي يفترض أنّها قادت إلى إنهاء ازمة التأليف السابقة بأقل الخسائر – إلّا أنّه سيكون صراعا أكثر حدّة من الناحية السياسية، لا سيما أنّ إصلاح العلاقة بين جبران باسيل وسعد الحريري يقترب من الاستحالة في الوقت الراهن، إلّا إذا تطلّب الأمر تسوية جديدة – بأبعاد رئاسية مجدداً – تسمح للأول بأن يجدّد طموحاته الرئاسية التي تهاوت تحت الضربات المتتالية لـ»17 تشرين»، وللثاني بأن يعيد مكتسباته السياسية التي تلاشت تدريجياً منذ تسوية العام 2016».

 

ومن المؤكّد أنّ الأيام الماضية قد فاقمت من توتر العلاقة الباسيلية – الحريرية، لا سيما أنّ خطوة تأجيل الاستشارات النيابية يفترض أن يكون قد نُظر إليها في بيت الوسط باعتبارها رسالة سياسية مفادها أنّ «العهد» – أو بالأصح جبران باسيل – يريد وضع العراقيل أمام الحريري حتى قبل تكليفه، خصوصاً في ظل الحديث المتجدّد عن أنّ «الميثاقية» تتطلب أن يعيّن رئيس الجمهورية الوزراء المسيحيين، رداً على ما يُعتبر في بعبدا «فيتو»حريريا ًعلى جبران باسيل.

 

تبعاً لذلك، يعتبر مرجع سياسي، أنّ «الفيتو العوني، سواء اتخذ شكل استبعاد الحريري من التكليف أو عرقلة عملية التأليف، دونه مخاطر جمّة على «العهد» برمّته، سواء في الداخل، حيث تتوالى فصول الأزمة الاقتصادية لتنذر بانفجار اجتماعي يتجاوز – حجماً وشكلاً – كل ما حدث منذ انتفاضة 17 تشرين، لا سيما في ظلّ الحديث عن رفع الدعم واستفحال أزمات الدواء والغذاء…؛ أو في الخارج، حيث أنّ دور «المعطّل» و»المعرقل» الذي حاول البعض الصاقه بالثنائي الشيعي، سيكون هذه المرة من نصيب رئيس الجمهورية والتيار البرتقالي، بكل ما يعنيه ذلك من آثار، لا يغيّر فيها اتصال قدّمته رئاسة الجمهورية في سياق «إيجابي» من مايك بومبيو، ولا تصريح محرّف من ديفيد شينكر حول «سيف» محاربة الفساد».

 

يبرز السؤال هنا حول قدرة رئيس الجمهورية على الصمود أمام الخارج، لا سيما أنّ خوض معركة التأليف بشروط جبران باسيل لن تؤدي سوى إلى زيادة الضغوط الفرنسية – الاميركية (باختلاف حيثياتها وأشكالها)، وهو ما سينعكس حتماً على الشارع المحتقن أصلاً بتداعيات الأزمة الاقتصادية من جهة، وخيبة الأمل من الطبقة السياسية من جهة ثانية.

 

بناءً على هذا السؤال، ثمة سيناريوهان وخلاصتان مرتبطة به، ومتداولة في الاوساط السياسية:

 

السيناريو الأول، «هو قبول عون بشروط الحريري استجابة للضغوط الخارجية، ما يعني اعلان رئيس الجمهورية الهزيمة السياسية».

 

السيناريو الثاني، «هو الذهاب في المعركة إلى ما لا نهاية، وحينها سيدخل لبنان في وطيس معركة تكسير عظام، ستكون لها بالتأكيد انعكاسات سلبية للغاية على المشهد اللبناني المضطرب أصلاً».

 

واما الخلاصتان فهما:

 

الاولى، «انّ من يقرأ مسيرة «الجنرال» ميشال عون يدرك جيداً أنّ السيناريو الأول غير مطروح، وأنّ المرحلة المقبلة محكومة بتكتيكات السيناريو الثاني، الذي قد يستخدم فيه «العهد» كل الأسلحة المتاحة، بما في ذلك التلويح باستقالة، يدرك الكل أنّها مجرّد مناورة تستهدف الايحاء بأنّ رئيس الجمهورية ربما يكون مستعداً لقلب الطاولة».

 

الثانية، أياً كان الخيار، الذي قد يتكشف قبل التكليف أو ربما بعده بقليل، فإنّ مشكلة رئيس الجمهورية أنّه لا يزال أسير عبارته الشهيرة «يستطيع العالم سحقي ولكن لا يستطيع أن يأخذ توقيعي». عبارة التحدّي تلك قالها ميشال عون قبل 30 عاماً، وكان ما كان في 13 تشرين الأول 1990. اليوم ربما يقولها ميشال عون مجدداً، مخاطراً بـ«13 تشرين» سياسية!