IMLebanon

حال لبنان والعهد: سلطوية برؤوس عدة

 

يروي الرئيس بيل كلينتون في مذكراته أن شمعون بيريس قال له: “التاريخ مثل حصان يقفز امام نافذتك، والقفز من النافذة لامتطائه هو الإمتحان الفعلي للقيادة”. العماد ميشال عون فعلها مرتين: مرة بالدور الذي لعبه في الحرب كقائد للجيش، فحصد الزعامة الشعبية. ومرة بالتفاهم كرئيس لـ”التيار الوطني الحر” مع الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، فوصل الى الرئاسة. لكن القفزة المطلوبة من رئيس الجمهورية لم تحدث، بحيث ضاعت فرصة “الاصلاح والتغيير” وبناء مشروع الدولة. والسؤال عن حال العهد في بداية السنة الخامسة يقود، بصرف النظر عن الأجوبة المختلفة في السجالات، الى جواب عملي يقدمه مقياس واقعي: حال لبنان واللبنانيين. ولا مجال للمكابرة أمام هذه الحال، حيث الافلاس السياسي والمالي وهيمنة النافذين على ماكينة السلطة التي صارت مصنعاً للفساد والثروات الحرام. حتى الرئيس عون بات يعترف بأننا “مفلسون”.

 

وفي البدء كان الخطأ في الحسابات. حسابات التبكير في العمل على “توريث” العهد بما انهى دور “الرئاسة الجامعة” وأدى الى خلافات مع معظم الأطراف الأساسية باستثناء “حزب الله”. إذ ضحى عهد بنفسه من أجل عهد لن يولد. فكل عهد في لبنان جاء عكس الذي سبقه. وعندما تمكن الرئيس فؤاد شهاب في ظروف نادرة من المجيء بعهد “استمراري” لعهده برئاسة شارل حلو، فان حلو تمرد على الشهابية في النصف الثاني من العهد. ثم كانت حسابات النظرية التي تورط فيها معظم أمراء الطوائف، وهي: السلطة للقوي في طائفته. وهكذا انتقلنا من قليل من الديمقراطية الى كثير من السلطوية بثلاثة رؤوس في رئاسات الجمهورية والمجلس النيابي ومجلس الوزراء، مع رأس رابع أقوى من الثلاثة خارج المناصب الرسمية. تعددية بالعدد مخالفة لقول أرسطو: “التعددية ليست بالعدد بل بنوعية المتعددين”. و”فيتوقراطية” أبرز ما تفعله هو التعطيل لا الحكم، والأولوية للادوار الشخصية لا للبرامج، ولإغلاق الطوائف على بعضها بعضاً لا للانفتاح الوطني الرحب.

 

وفي الأساس ليس في لبنان أقوياء. فما نسميها القوة هي نسبية داخل الطوائف وبين الطوائف. وهذه مظاهر قوة. ومن كبرت أدوارهم وصاروا أقوياء قضت لعبة الامم بحذفهم من الوجود او أقله باخراجهم من المسرح السياسي. حتى القوى الاقليمية المعادية والشقيقة التي دخلت عسكرياً الى لبنان وتدخلت سياسياً فيه ضمن تفاهمات دولية، فانها اضطرت للخروج منه عندما تبدلت حسابات الكبار. وأي قوة تتصور حالياً ان المستقبل في لبنان والمنطقة لمشروعها، يصعب ان تكون الاستثناء من القاعدة التي تؤكدها التجارب التاريخية. وها هو “الرئيس القوي” يعترف بانه “لا يستطيع فعل شيء”.

 

وليس من السهل الخروج من العزلة الداخلية والخارجية. و”لا رجل يحمل من الرئاسة السمعة التي حملته اليها”، كما قال الرئيس الاميركي الثالث توماس جيفرسون.