ردّة فعل رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون على العقوبات الاميركية بحق جبران باسيل الوزير السابق والنائب الحالي وصهر الرئيس عون ورجل العهد القوي، كانت سلبية جداً. ولم تعكس تصرفاً هادئاً ومعتدلاً لرئيس جمهورية، يتحكّم في ردّات فعله… إشارة الى أنّ الرئيس عون كان قد طلب من وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال الاتصال بالسفارة اللبنانية في واشنطن، وبالسفارة الاميركية في بيروت يطالب بالمعلومات التي استندت إليها الخزانة الاميركية في اتخاذ مثل هذه العقوبات المتصلة بالفساد.
ردّة الفعل هذه العشوائية واللامدروسة ذكرتني بالعماد عون عام 1989 يوم عُيّـن رئيس حكومة مَهَمّة، لإجراء إنتخابات رئاسة الجمهورية. وفي الصباح الباكر وتحديداً عند الساعة السابعة صباحاً، سقط صاروخ أطلق من المنطقة الشرقية على المنطقة الغربية فأصاب حافلة لتلاميذ إحدى المدارس… يومها جاء الرد من الغربية فقصفت وزارة الدفاع وتحديداً مكتب العماد عون، وحين رأى الدمار في مكتبه هدّد بتكسير رأس حافظ الأسد الرئيس السوري، وللقصة تتمة يعرفها كل الناس حين أصرّ عون على البقاء في قصر بعبدا حتى آخر جندي لكنه هرب بالبيجاما تاركاً زوجته وبناته، بعدما كان أوّل الهاربين، فتسلم العميد علي ديب قائد القوات الخاصة السورية الزوجة والبنات وسلّم الأمانة الى إيلي حبيقة قائلاً له: «أعِد هؤلاء لعون، الذي أنقذك يوماً من سمير جعجع».
هذه القصة نسوقها لنقارن بين ما قاله باسيل قبل يومين على شاشة التلفزيون، محمّلاً كلامه التهديد والوعيد لأميركا… «ويا أرض اشتدّي ما حدا قدّي».
الرجال الرجال يعرفون بالمناسبات، فها هو ذا الوزير علي حسن خليل رجل الدولة والوزير يوسف فنيانوس عالجا الأمر برويّة وحكمة وتأنٍ وبسلاسة، ولم يصدر أي كلام عنهما يدل على تحديات أو عنتريات.
ولنعد الى ردود فعل باسيل العنترية… أمس علقت السفيرة الاميركية في بيروت دوروثي شيا على العقوبات بحق رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل مفصّلة الموقف بالقول:
«سوف أقدّم بعض الملاحظات الموجزة حول تسمية جبران باسيل، رئيس التيار الوطني الحر ووزير الخارجية السابق والوزير الأسبق للطاقة والمياه والاتصالات».
تؤكد شيا على الأمور التالية:
1- إنّ العقوبات التي فُرضت على جبران هي عقوبات على فرد وليس على حزب. فالولايات المتحدة لا تقوم بمعاقبة أو تدمير «التيار الوطني الحر».
2- لقد أشار السيّد باسيل الى رغبته في الطعن بالتسمية في محكمة قانونية في الولايات المتحدة. إنّه مرحّب به للقيام بذلك، والمضي في عملية الإكتشاف المناسبة.
3- إنّ حقيقة كون تسمية السيّد باسيل قد جاءت في هذا الوقت بموجب قانون ماغنتيتسكي العالمي.
4- قد يظن السيّد باسيل أنّ تسريب معلومات إنتقائية خارج سياق النقاش يخدم قضيّته… هنا سأكشف شيئاً واحداً في غاية الأهمية:
* قد أعرب باسيل نفسه عن استعداده للإنفصال عن «حزب الله» بشروط معيّنة. وفي الواقع فقد أعرب عن امتنانه لأنّ الولايات المتحدة جعلته يرى كيف أنّ العلاقة هي غير مؤاتية لـ«التيار»، حتى أنّ متشارين رئيسيين أبلغاني أنهما شجعا الوزير باسيل على اتخاذ هذا القرار التاريخي (الإنفصال عن «حزب الله»).
في الختام.. «أكدت السفيرة الأميركية أنّ الولايات المتحدة اتخذت هذا الإجراء تضامناً مع الشعب اللبناني، الذي لأكثر من عام، طالب قادته بإنهاء أسلوب العمل المعتاد من خلال العمل على رسم اتجاه جديد مكرّس للإصلاح والشفافية ولاقتلاع الفساد المستشري من جذوره».
كلام السفيرة دوروثي شيا فضح إدعاءات باسيل، وأظهر بشكل واضح أنّ السفيرة تعمّدت الإشارة الى أنّ باسيل كان وزيراً للمياه والطاقة والإتصالات، وهو ما تسبّب بـ47 مليار دولار دين على لبنان أي نصف دينه العام. كذلك أكدت مرّة أخرى على أنّ العقوبة هي شخصية.
كلام شيا أظهر «بهورات وعنتريات» باسيل التي تهدف فقط لإرضاء «الحزب العظيم» وكسب ودّه واحترامه، ووضع «دين في عنقه»، علّه يرد له هذا الدين يوم الانتخابات الرئاسية اللبنانية.
فهل فهمت الأمور الآن على حقيقتها؟