لا بد لكل إنسان في هذا الكون أن يسأل نفسه وهو في نهايات العمر، ما هي حصيلة كل تلك الأيام التي عشتها، سواء على المستوى الشخصي البحت، حتى إذا ما شاءت الأوضاع والظروف أن يكون قائدا أو رائدا أو زعيما أو طموحا إلى تبوء المناصب والمراكز وحتى إذا ما أمضى العمر بأغلب أيامه في موضع نضالي يغمره الحماس، ويسّيره الإندفاع والتشدد، ويقوّي من عزائمه حب السلطة المتشبثة بمباديء وشعارات ومواقف تمكن من مواجهتها التي لا تحيد عن عالمها المبادئي إلى درجة استقطاب جماعات واسعة من أبناء عشيرته ليكون رائدهم ورمزهم وحامل لواء مواقفهم الطائفية ومطالبهم المتطرفة في منطلق كل هذه التساؤلات، وعليه، يحق لكل مواطن في هذا البلد المصاب والمنكوب أن يسأل مع كثير من دوافع الإستفهام والإستغراب والغصّة المترسخة في أقصى الأعماق، أن يطرح لنفسه وللجميع، ذلك التساؤل المتغلغل في نفوس الغالبية الكاسحة من أفراد جموع هذا الوطن:
أيحق للمعادي لكل الأجواء السياسية التي كانت سائدة في هذه الربوع الغرقة في مواجهاتها ومعاداتها للإطار السياسي والمذهبي العام الذي كان سائدا في البلاد، فإذا به وبنا أمام قول وفعل فجائي أسفر عن حلف وضعت أسسه وتمت توافقاته الإنقلابية في كنيسة مار مخايل، وكان الظن أن هذا الوضع المستجد والذي تحول بعد عهد جديد لم يبرز منه إلى الواقع العملاني، إلاّ سيطرة كاملة للجهة الأخرى المشاركة التي أمسكت بكامل خيوط البلاد وخطوطها، وفي الوقت الذي توقع منه كثيرون امساك ولو أجزاء من خيوط الحكم والسلطة، وإذا بنا بحصيلة تفاهم كنيسة مار مخايل، أمام عهد طال عمره حتى الآن إلى ما يقارب الخمس سنوات، دون أن تتبدّى له ملامح قوة وشراكة فعلية وعطاء ملحوط، بل كانت الحصيلة تراجع وتدهور متفاقم ومخيف ودخول إلى مرحلة «جهنم» وإطلاق للقول التبريري المذكور: «ما خلوني»، ومحاولات للتحرك المكبوت في أواخر أيام العهد، وعلى أبواب انتخابات مقبلة يدعو إليها الجميع في الداخل والخارج، وفي عزّ هذه الحشرة التي أسفرت أيضا عن تجميد الوضع الحكومي، بل تجميد الحياة العامة بإطاراتها العملانية والدستورية والقانونية عموما، تبدت بوادر التململ والتحلحل في علاقات الحليفين، ومن بوادرها، جملةٌ من الأوضاع السلبية المستجدة، خاصة في إطار العلاقات اللبنانية – العربية الخليجية، وبصورة خاصة تدهور العلاقات اللبنانية السعودية مما ساهم في تعميق الثغرات السياسية والأخوية والإقتصادية التي لطالما شكّلت جملة من المواقع والمواقف الإنقاذية التي كان لها أثرها الملموس في منع الإنهيارات اللبنانية في أكثر من موقع. «العهد القوي» حاول في أواخر أيامه ومطامحه وأحلامه توريث الحكم على نحو ما هو معلوم، أن لملم قوليا بعض الثغرات الفائمة في الإطار العربي، فكان بعضٌ من التصدي الخجول لهذه الوضعية الشاذة ولكنه وكالعادة القائمة تصرّف «على قدّ الحال»، ولم يفلح لا هو، ولا جهود رئيس الحكومة المتريثة دوما، والمتماشية معه في لملمة نتائج أخطاره وآثاره المدمرة، وكلّما مررنا بأيام إضافية، ازدادت الأجواء سوءا وتدهورا وتراجعا، وها هو البلد يعاني إلى درجة الإختناق، وها هم أهل هذا البلد المنكوب يتحولون إلى مجموعات غاضبة من الجياع والمشردين، والملوّعين والمكتوين بنار الحياة المستحيلة، والجميع بمن فيهم أي شريك مقبل على السلطة، وفقدان كل ما تبقى من رواسب الفعل والفاعلية، والقدرة على إعطاء ولو جزء يسير من انتاج العام الذي قد يسهم في حمايته من فقدان ولو جزئيا من أي أثر إيجابي وأي بقايا لأي إمساك بمقاليد أي موقع وأي توجه. لقد ضاقت فسحة الأيام وضاعت فرص السنوات العديدة التي خلت، ومما لا شك فيه أن الزمن يتغير ويتطور، وبالرغم من مصاعب الأيام الحالية والمقبلة ومن احتمالاتها شديدة الظلم والظلمة، إلاّ أن ما تحفل به الأوضاع في الداخل وفي مجمل الأقليم وفي الواقع الدولي، ينم عن دينامية متجددة ومتطورة لمقبل الايام والظروف ومجمل إرادات الشعوب في كل زمان ومكان، حيث لا يدوم إلاّ الدايم.