يتصرف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كأنه في سنة ولايته الأولى في حديثه عن السنة الأخيرة منها. هكذا يبدو الأمر مع مرور الذكرى الخامسة لانتخابه في تناوله الأزمات الراهنة المتراكمة خلال سنوات عهده الخمس، وهذا ما أوحى به عبر المواقف التي أدلى بها في الذكرى الـ78 للاستقلال، وما بينهما في حديثه عن أنه لن يسلم الرئاسة للفراغ عند انتهاء السنة السادسة محدداً مواصفات الرئيس الذي سيخلفه.
وبقوله إنه لن يسلم الرئاسة للفراغ، كأن عون يمهد للبقاء في القصر. فهل ستكون الذريعة أن 40 في المئة من عهده كانت بلا حكومات، كما قال في كلمته لمناسبة الاستقلال، وأن انتهاء السنوات الخمس التي أمضاها في القصر من دون إنجازات مبرر لتمديد إقامته فيه، مثلما فعل في السنة الأولى حين اعتبر أن حكومة الرئيس سعد الحريري الأولى لم تكن حكومة العهد الأولى فجاءت الثانية وساءت الأحوال أكثر مما كانت عليه قبل تسلمه السلطة. ما يشغل بال الفريق الرئاسي حالياً في التعاطي مع الكوارث التي يئن تحتها اللبنانيون، هو تأمين الاستمرارية للولاية الحالية.
لم يترك رئيس الجمهورية مجالاً للشك عند الذين قرأوا حديثه لـ”الأخبار” بأنه يقصد بالرئيس المقبل بأنه “لن يأتي بعدي رئيس كما قبلي…لا يمثل أحداً…”، صهره رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل المغضوب عليه سواء في الداخل أو في الخارج والذي يتململ منه تياره أيضاً. والذين خففوا من هذا الاستنتاج اعتبروا أنه يؤشر منذ الآن إلى نيته تسمية خلفه حتى لو لم يكن باسيل، أو أنه يسعى لمقايضة ترشيح الأخير برفع العقوبات الأميركية عنه…
في كلامه لوفد مشترك من مجموعة العمل الأميركية من أجل لبنان ومن الكونغرس الأميركي قال عون إن “لبنان بدأ مسيرته للخروج من الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعيش فيها، والتي نتجت عن تراكمات سنوات عدة”، متناسياً أنه قال هذا الكلام في سنته الأولى في الرئاسة. إلا أنه لا يلبث أن يتذكر “السنة الأخيرة” فيعتبر أنها “سنة النهوض وانطلاق التعافي” واعداً بانطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وفق برنامج إصلاحي موعود منذ أكثر من خمس سنوات.
التعثر الحاصل في المساعي لضمان اجتماع الحكومة بعد مضي أكثر من 5 أسابيع على تعطيله، يفهمه الفريق الرئاسي المحيط بعون مناسبة من أجل إعادة طرح مطالبه وشروطه وطموحاته ومكاسبه، بعيداً من سعي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى تأمين المشروعية القانونية لقرارات جرى التحضير لها، تتعلق بالأوضاع المعيشية وبقرارات إصلاحية تحسن شروط التفاوض مع الصندوق. وهذا ما حدا برئيس الحكومة إلى “تطريز” الاجتماع الثلاثي الذي جمعه مع عون ورئيس البرلمان نبيه بري بعد انتهاء العرض العسكري الرمزي في وزارة الدفاع، لعل كسر الجليد بينهما يمهد للاتفاق على مخرج يتيح عودة مجلس الوزراء للانعقاد، على قاعدة الفصل بين المسار القضائي للتحقيق في انفجار المرفأ الذي يعترض عليه الثنائي الشيعي وبين المسار الحكومي.
الفريق الرئاسي كان رد على اقتراح بري المعروف بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية وترك القضاء العدلي ملاحقة الوزراء والنواب الذين يلاحقهم إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، برفض التدخل في عمل القضاء، لكنه سعى في المقابل إلى مخرج آخر لا يعني سوى التدخل في القضاء. بات معروفاً العرض الذي نقله وسيط بين الفريق الرئاسي وبري أكثر من مرة في الأسبوعين الماضيين، ويقضي بأن تنفذ الحكومة في أول اجتماع لها جملة تغييرات في الجسم القضائي ترضي الثنائي الشيعي بـ”قبع” المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، مقابل “قبع” رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، والمدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم، إضافة إلى بعض أعضاء مجلس القضاء الأعلى. والمعروف أن الفريق الرئاسي يطمح في حال هناك جملة تعيينات أن يتم تغيير المدير العام لقوى الأمن الداخلي عماد عثمان، وبعض القادة الأمنيين الآخرين. بدا من هذه الاقتراحات أن تذرع فريق العهد بفصل السلطات وعدم التدخل في القضاء، هو غطاء لصفقة من أجل قضم مراكز قضائية وإدارية جديدة (العين على 61 مركزاً معظمها للمسيحيين) في السنة الأخيرة، تضمن الاستمرارية لما بعدها، سواء بالبقاء، أو لتمكين من سيأتي من إكمال “الإنجازات”، التي تسببت بالحفرة التي يغرق البلد في وحولها.