المطالبة باستقالة رئىس الجمهورية العماد ميشال عون، كانت تتكرر مع كل من شغل هذا المنصب الماروني وفق «العُرف»، وليس الدستور، منذ اول رئىس بعد الاستقلال بشارة الخوري، الذي استجاب «للثورة البيضاء» التي قادتها «الجبهة الوطنية الاشتراكية»، وأسقطت ولايته الممدد لها في نصفها عام 1952، وانتخب خلفاً له كميل شمعون رئىساً لجمهورية، وهو احد اعضاء قيادة الجبهة مع كمال جنبلاط وغسان تويني (كان ممثلاً للحزب السوري القومي الاجتماعي) واحزاب وشخصيات اخرى.
فمنذ استقالة الخوري قبل نحو 69 عاماً، كان التمديد او التجديد، هو ما يطمح ويعمل له رؤساء الجمهورية لا الاستقالة، وقد امتنع عن ذلك الرئيسان فؤاد شهاب والياس سركيس، وكل منهما تقدم هو باستقالته، رفضاً لواقع سياسي، وعادا عنها.
وطرح استقالة الرئىس عون له هدف سياسي، وتلجأ احزاب وكتل نيابية ومرجعيات، او يتحرك الشارع داعياً الى هذه الاستقالة، وحصلت في تاريخ لبنان ما بعد الاستقلال، هذه الدعوة الا ان عوائق دستورية وسياسية وطائفية، كانت تمنع ان يحصل ذلك، وقد رافقت ذلك ازمات داخلية، وحروب اهلية، لكن لم تحصل اي استقالة لرئىس جمهورية قبل موعد انتهاء ولايته الدستورية، اذ حدث ان جرت انتخابات رئاسية مبكرة في عهد الرئىس سليمان فرنجية، وفي ظل اقتتال داخلي، وانتخب الرئىس الياس سركيس، لكن تسلم مهامه في 23 ايلول من العام 1976.
فالعماد عون الذي انتخب في تسوية رئاسية، انتهت مفاعيلها، وانقلب عليها طرفاها «التيار الوطني الحر»، و«تيار المستقبل»، فان الدعوة للاستقالة التي صدرت عن اطراف مسيحية، دعاها رئىس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ان تقدم عليها، ومن ابرز الداعين رئىس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، ومقرر «لقاء سيدة الجبل» فارس سعيد، فانها تصطدم ببكركي، وفق مصادر سياسية التي ترى، ان البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، وضع خطاً احمر، امام المطالبة باستقالة رئىس الجمهورية، بما يرمز هذا الموقع، الذي يخشى ان يكون «مكسر عصا»، لان السلطة الاجرائية باتت في مجلس الوزراء مجتمعاً بعد دستور الطائف، ولم يعد هو رأس السلطة التنفيذية، ويترأس جلسة مجلس الوزراء عندما يحضرون دون ان يصوّت.
والدعوة للاستقالة، امامها عوائق عدة، اولا دستورية، لا يوجد نص يقيل رئىس الجمهورية، اذ نصت المادة 60 من الدستور على ان «لا تبعة على رئىس الجمهورية حال قيامه بوظيفته الا عند خرقه الدستور او في حال الخيانة العظمى»، وفي الحالتين ليس الرئيس عون متهماً بهما تقول المصادر، مما يعني ان الاستقالة ساقطة دستورياً، اما في الشق السياسي، فيحق لكل طرف ان يطالب بها، انما آلية التنفيذ، هي ما لم يعلن عنه من يدعو لها، سوى جمع من هو متضرر من وجود عون في القصر الجمهوري، وهو يحاسب سياسياً، لانه متحالف مع «حزب الله»، الذي وقف مع ترشيحه لرئاسة الجمهورية، وهو المشهد نفسه الذي احاط بالرئىس السابق اميل لحود، الذي استُصدر له قرار عن مجلس الامن الدولي 1559 لعدم التجديد له، برفض تعديل المادة 49 من الدستور، وخطيئته انه يقف مع ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة».
فاسقاط الرئىس عون سياسياً، مع الاستحالة دستورياً، فيبقى الضغط في الشارع، واستغلال فقر وجوع المواطنين، في ظل الانهيار المالي، والتدهور الاقتصادي وتفاقم الاوضاع المعيشية والاجتماعية، اذ جرى ركوب «الحراك الشعبي» الذي بدأ عفوياً في 17 تشرين الاول 2019، بسبب الاوضاع المتردية، وفساد الطبقة السياسية، لتقوم احزاب بتوجيه الحراك نحو اهداف اخرى، منها استقالة الرئىس عون، ونزع سلاح المقاومة، بتطبيق القرار 1559، حيث عاد المشهد من جديد، وباتت جغرافيا قطع الطرقات، تكشف عن المحركين، وهم احزاب مناوئون لرئىس الجمهورية كحزبي «القوات اللبنانية» و«الكتائب» او «تيار المستقبل» ومنافسه مجموعة بهاء الحريري، واحياناً الحزب التقدمي الاشتراكي، الى هيئات تسمي نفسها من «المجتمع المدني»، وبقايا يساريين وطُفار احزاب، اذ تختلط في التحركات الشعارات السياسية، مع المطالب الاجتماعية، واخرى تدعو لاسقاط النظام، ومعه الفساد الذي مارسه من تولوا السلطة، اقله ما بعد اتفاق الطائف 1991 وبعد خروج القوات السورية 2005، تقول المصادر، التي لا ترى ان مطلب الاستقالة قابل للتحقيق، وان الرئيس عون لم يخرج من قصر بعبدا عندما كان فيه رئىساً لحكومة عسكرية، الا بعملية عسكرية، لانه لم يسلم السلطة بعد اتفاق الطائف، وهو لن يغادره وهو رئيساً للجمهورية، وهذه المرة عنده حليف اساسي هو «حزب الله» لن يسمح بذلك، كما فعل مع الرئىس لحود، وبكركي لن تعطي ضوءاً اخضر، ويبقى مطلب الاستقالة شعاراً دون تنفيذ واستحالة التطبيق.