Site icon IMLebanon

أهلاً بكم في مستديرة فخامة الجنرال في بقسميا

 

شوارع باسمه وتماثيل وجادة “لا معلّقة ولا مطلّقة”

 

…وأصبح في البترون – في بقسميا البترون – مستديرة باسم «فخامة الرئيس الجنرال ميشال عون» ونصب تكريمي مكتوب عليه: «أكبر من أن يبلع أصغر من أن يقسّم». إنها أولى «ظواهر» إنجازات عهد «ما هشّ وما نشّ» في ستة أعوام. فهل كل ما كان ينقصنا هو مستديرة وتمثال وجادة ليعود لبنان… لبنان؟ وهل نحن نأكل ونشرب ونتعلم ونلبس ونعيش و»نتطبب» (نتعالج) من تماثيل ومستديرات وجادات وشوارع على أسماء «من يحكمون رقابنا» ولا ينقصنا إلا مستديرة ميشال عون لنعيش في «تبات ونبات»؟

من حقّ ميشال عون أن تكون على اسمه «مستديرة» ويكون له نصب – قاسم سليماني ليس أفضل منه – لكن أن تُدشّن المستديرة في ظروف يعيش فيها كل البلد وأهل البلد «على صوص ونقطة»- في ظلِّ شغور قد يطول ويطول- فهو توقيتٌ خاطئ. كلّ ذلك وحال اللبنانيين كما أغنية فيروز: «يا دارة دوري فينا ضلّي دوري فينا ت ينسوا أساميهن وننسى أسامينا». اللبنانيون يتمنون لو ينسون في هذه المرحلة – التي دُشنّت فيها على اسم رئيس أفل عهده مستديرة – «أساميهم».

 

تاريخ في مجسّمات

 

يحقّ لميشال عون دائماً أبداً ما لا يحقّ لغيره. محبوه يردّدون ذلك. مساكين. وهو- المسكين- يحتاج إلى أنشطة يقول فيها: أنا هنا. وصهره- جبران- يعرف في هذه المسائل الكثير. في كلّ حال، ميشال عون أصبح له شوارع باسمه وتمثال في بلدة المكنونية في جزين نحته الفنان رودي رحمه. المكنونية تبعد عن بيروت 70 كيلومتراً. والبيارتة، برأي عونيين، يحقّ لهم أيضاً التنعم برؤية تمثال ميشال عون. لكن، وكما تعلمون، حكي الكثير عن رصد مبلغ ستة ملايين دولار لإقامة 18 تمثالاً لعون. كان- على ما قيل – مجرد كلام. صدقنا. لكن، هناك من يتحدثون اليوم عن توقيعه مراسيم بينها ذاك الذي يسمح بإقامة نصب له في بقسميا. فماذا يمنع أن نرى تماثيل جديدة له وجادات ومستديرات تحمل اسمه؟ لا شيء طبعاً. في كلّ حال، هناك تمثال نصفيّ له صنعه ابن عرسال إياد الحجيري وهو لاقى إستحسان مختار رأس بعلبك سهيل نعوم فانتقل الى البلدة ثم الى ميشال عون نفسه عربون محبة.

 

قصّة التماثيل يرويها أقارب النحات سميح العطار. نحت الفنان ثلاثة أرباع التماثيل التي أصبحت، عبر الزمن، تاريخاً في مجسّمات. هو من نحت تمثال بشارة الخوري الواقف عند مستديرة بشارة الخوري. وهو من نحت تمثال الكرمى على مدخل زحلة الذي ارتفعت ضده يومها الأصوات على «عري» التمثال. وهو من نحت تمثال رياض الصلح وسامي الصلح وسليمان فرنجيه وكميل شمعون وحبيب أبي شهلا وعمر الداعوق وفريد الخازن وسليم الحص. ولو كان حياً لكان ربما نحت تمثالاً لميشال عون. من يدري. هو كان يعدّ من كل تمثال نسختين، واحدة يحتفظ بها وثانية يقدّمها الى عائلات الرؤساء لتكون نصباً تخليدياً وذلك «بتراب الفلوس».

 

جادة ميشال عون

 

رحل سميح العطار قبل أن «يخلّد» ميشال عون في تمثال. ميشال عون يتمنى أن يُخلّد في حياته ومماته والصهر يتسلّى في تحقيق أمنيات العمّ. لكن، حظّ العمّ سيّئ. فهو نجح يوم كان رئيساً، قبل أشهر من اندلاع ثورة 17 تشرين، في إتاحة الفرصة أمام شركة «نويس» للفوز بعقد بالتراضي مع بلدية بيروت بقيمة ربع مليون دولار لتأهيل جادة باسمه «جادة فخامة الرئيس العماد ميشال عون» الممتدة من جادة إميل لحود لغاية تمثال المغترب. ورئيس مجلس إدارة «نويس» هو جورج نجم شريك ومدير «كليمنتين للإعلان» -clementine- التي تملكها إبنة ميشال عون كلودين. حظ عون سيّئ. مسكين. اندلعت المشاكل قبل أن تجري أعمال التأهيل. وما نفذ منها قضت عليها تفجيرات 4 آب. فلماذا يكون لإميل لحود جادة؟ ولماذا يكون لبشارة الخوري وأمين الجميل والياس سركيس جادات؟ أما هو فلا. في كل حال، خبير المجوهرات أندريه الزعني قدّم له، في اليوبيل اللؤلؤي للتيار، تمثالاً يوجد حالياً في مقرّ التيار الوطني الحرّ. بلدية شدرا في عكار دشنت هي أيضاً في تموز 2018 شارعاً باسم ميشال عون ويومها قال رئيس بلديتها سيمون حنا: شدرا البلدة البرتقالية. شوارع ومستديرة وتماثيل وبقيت الجادة «قيد التأهيل» في الإنتظار.

 

طبعاً العونيون، وبينهم وديع عقل، لم تعجبهم كثيراً الجادة الموعود بها الجنرال. وقال يومها عقل: كان الأجدى إستحداث طريق جديد، جسر، منتزه، حديقة أو مركز ثقافي لا اقتطاع قسم من طريق على اسم رئيس جمهورية سابق. في الحدث استجابوا وأقاموا جادة ميشال عون. هنا نذكر أن البشيريين كانوا قد رفضوا ذات يوم إقتطاع جزء من جادة الرئيس ألفرد نقاش من أجل تسمية قسم منها بجادة بشير الجميل.

 

كان يا ما كان. اليوم العونيون رقصوا حول مستديرة بقسميا مردّدين هاشتاغ: #مكملين_ما_بقا_شي_يوقفنا. هنا نراجع معنى الجادة. إنها، لمن لا يعرف، شارع واسع مزروع بالأشجار على الجانبين. في الشانزيليزيه أيضاً جادة.

 

نمرّ في أنطلياس. آرمة جديدة تلفتنا: شارع الأخوين الرحباني. هذا النوع من أسماء الشوارع يلفتنا. إنهما يستحقان. وزارة الداخلية هي من يفترض أن تمنح أسماء الشوارع الكبرى والرئيسية الى مستحقيها. البلديات في المناطق هي من درجت على إعطاء الأسماء الى شوارع فيها. في بقسميا كان حاضراً محافظ الشمال رمزي نهرا. أسماء الشوارع عندنا مثل النياشين توزع على «الأحباب». وكلّها تنتهي – أو تنسف – عند انتهاء المصالح. ميشال عون سُئل مرة عن منزله فأجاب: «ما حدا بيتذكر المحل هلأ لأن كل المعالم تغيرت. كان بيتنا قريباً من تمثال ميشال زكور- والتفت الى رمزي كنج الحاضر حينها وسأله: بعدو التمثال محلو أو زاحوه؟».

 

رؤساء وتماثيل

 

نعود الى تماثيل أيام زمان، أيام سميح العطار. هو لم يصنع تمثالاً ورضي صاحبه. تمثال بشارة الخوري وقف عند حفافيه ابنه وقال جملته الشهيرة: هيدا مش بيي. وما دمنا ذكرنا بشارة الخوري يتذكر أقارب النحات سميح العطار «أن بلدية بيروت أقامت عام 1969 مباراة عالمية لصنع تمثال لأول رئيس جمهورية بعد الإستقلال وفاز في المباراة الفنان اللبناني سميح العطار ولم يوقع العقد مع البلدية إلا في كانون الثاني 1971، ونصّ العقد على أن يتم التنفيذ في غضون عشرة أشهر بتكلفة 75 مليون ليرة لبنانية». نحت العطار التمثال واندلعت حرب لبنان. والتمثال الذي خلّد أول رئيس للجمهورية أصيب ونزع عن قاعدته وأعيد. التمثال يُخلّد صاحبه. وجبران باسيل أكثر من يعمل حالياً على تخليد ذكرى ميشال عون- كما بشارة الخوري- لكن وميشال عون حيّ لأن المجد الذي يريده لنفسه لا ولن يكون إلا ممّا تبقى من مجد عمّه.

 

هكذا هم من حكمونا يعملون على تخليد حالهم بحالهم- أو عبر الصهر إذا وجد- فيرفعون التماثيل ويسمّون الشوارع ويفتتحون الجادات وهم غافلون، أو متغافلون، أن تسمية الشوارع ليست ترفاً ووجاهة بل تطلق على اسم مستحقّ. ميشال عون يستحقّ تمثالاً؟ فليتركوا التاريخ يحدّد. وليتذكروا أن ثلاثة أرباع آرمات أسماء الشوارع باخت. الزمن الآن لم يعد كما كان قبل عقد واثنين وثلاثة. تماثيل كثيرة نُسفت والأسماء لم تعد لها قيمة إلا بقدر ما حققته في حياتها. لا تصدقون؟ قفوا أمام نصب بشارة الخوري. الزحمة كثيرة. سيارات، باصات، شحاذون وأعلام خضراء وصفراء وعمال من كل الجنسيات يفترشون الأرض ويحوّلون جدران منصة نصب أحد أبرز صانعي الإستقلال الى غطاء يحميهم من وهج الشمس والمطر. وأوساخ في المحيط، قناني بلاستيك وأكياس نايلون وبقايا علب سردين فارغة. مسؤولية هذا الموقع تقع على بلدية بيروت. ولا أحد، لا أحد أبداً يبالي برجل تقاطع بشارة الخوري. لا أحد يلتفت الى تمثال أول رئيس للجمهورية اللبنانية بعد الإستقلال.

 

جادة الرئيس الياس سركيس

ميشال عون هو الرئيس الثالث عشر في الجمهورية اللبنانية. قبله كان شغور وبعده شغور. والبلاد عائمة على أزمات وكلام كثير من نوع: هل سيبقى لبنان جمهورية؟ من حقّ الرجل أن يرى نفسه بتمثال لكن الناس في ميل وكل التماثيل في ميل آخر. بقسميا كرّمته؟ ممتاز. لكن، هناك أهالٍ في بقسميا وفي غيرها يطهون كل ليلة البحص وينامون باكراً ليحلموا بأن الطبخة استوت على النار. وفي الآخر، سيقفون عند المستديرة، قرب النصب، ولن يروا أبعد من وجعهم.