IMLebanon

ميشال إده: معيبٌ ما وصلنا إليه

 

 

في شباط الفائت، دخل الوزير السابق ميشال اده في الحادية والتسعين. قليل التنقّل تحت وطأة السنين الا عندما يُدعى الى الكلام عن اسرائيل بذاكرة لا قعر لها. في خمسين عاماً، دخلت جسده ثلاثة سرطانات ولما يزل واقفاً: «يِحِل عني. لاحقني. ما في غيري» يرددها ضاحكاً

هكذا الرجل. لا يقتصر على انه في مطلع العقد التاسع، بل يرى العمر لا يزال طويلاً امامه. لأنه لم يقارب السياسة ككثيرين في جيله وبعده، امتدت به السنون. بشيء من اليقين ايضاً ـ يقول ـ بسبب عدم وصوله الى رئاسة الجمهورية. رفيقاه في صبا جامعة القديس يوسف اودت بهما الرئاسة: الياس سركيس مرضاً بعد تركه الولاية، ورينه معوّض اغتيالاً قبل ان تبدأ.

 

كانا في سنّ صغيرة في حسبان مَن يعتقد ان العمر لا يخلص ابداً: الاول «ابن 62»، والثاني «ابن 64». اما فهو، فاوشك ان يصبح رئيساً خمس مرات ما بين عامي 1982 و2007. في اثنتين منها، منعته اسرائيل، وفي ثلاث منها، سوريا «اثنتان منهما لمستهما مباشرة، واحدة من حكمت الشهابي الذي طلب مني تعهداً بضرب ميشال عون بواسطة الجيش السوري، وثانية قالها لي غازي كنعان انه عرقل ترشيحي ثم اضاف الله يلعن الساعة». وُزِّر ميشال اده خمس مرات ايضاً في لبنان ما قبل الطائف ولبنان ما بعده، اولاها عام 1966، الا انه لم يفكّر يوماً في الوصول الى مجلس النواب.

يقول الآن انه قليل الاهتمام بالانتخابات النيابية الحالية، ولا يتابع اخبارها. لا يرغب في ابداء رأيه فيها، ولا في القانون الجديد للانتخاب، الا انه لا يخفي انزعاجه: «ليس هذا هو لبنان الذي نعرفه. معيب ما يجري. الازمة الاقتصادية خطيرة للغاية كأنهم لا يعرفون الى اين تذهب بنا. الا انهم يلتفتون الى شؤون اخرى».

يُبصر انتخابات 6 ايار جزءاً من تقليد دخل في تاريخ هذا الاستحقاق، هو ربطه ـ مرة بعد اخرى ـ بانتخابات رئاسة الجمهورية، والتحضير لها منذ ما قبل موعدها بسنوات: «الثلاثة، جبران باسيل وسمير جعجع وسليمان فرنجيه، يفكرون برئاسة الجمهورية مع انها لا تزال مبكرة. انه دائماً تنافس الموارنة عليها، وتنافسهم على السياسة. عندما رُشّحت للرئاسة خمس مرات لم اكن مرة منافساً لأحد، بل هُم مَن دعوني ثم غيّروا رأيهم، إما لأن الظرف تبدّل كعامي 1982 و1998، وإما لأنني لا انفذ خططاً رسموها سلفاً كعامي 1989 و2004، وإما لأن تفكيري يضر بهم كعام 2007. بسبب ذلك لم أُرِد ان اكون نائباً عام 1996 حينما دعاني الرئيس رفيق الحريري الى الانضمام الى لائحته في بيروت(المقعد الماروني)، وكانت دائرة واحدة. قال لي انني احوز اصواتاً اكثر منه لأن الجميع يقترع لي. رفضتُ، فاشتكى الى عبد الحليم خدام الذي خابرني ودعاني مع الرئيس الحريري الى غداء في دمشق.

 

 

صار عون رئيساً

لأنه هو الماروني القوي. كنت افضل لو انه انتخب قبل 18 عاماً

قال خدام للفور مبروك سلفاً. سألته عن ماذا؟ فاجاب النيابة مع ابو بهاء، تترشحان معاً. قلت لا اريد. قال ترفض؟ رددت بالايجاب. قال انا اطلب منك. كرّرت عدم رغبتي. قال يأتي اللبنانيون اليّ يتوسلون كي اوافق على ترشّحهم، بينما انت ترفض ما اطلبه انا منك. رددت لا اريد. ثم اكملنا الغداء».

بعد تجربة طويلة في السياسة لاكثر من نصف قرن، صحّ استنتاجه انها تفرّق على مرّ الزمن. قبل وبعد حينما يتذكر: «اول مَن فرّقت بينهما كان اميل اده وبشارة الخوري. الاول، ابن عمنا، والثاني، دخلتُ بيته قبل انتخابه رئيساً بسبب ابنه ميشال الذي يكبرني بسنة ونصف سنة زميلاً لي في جامعة القديس يوسف. تدرّج الشيخ بشارة في مكتب اميل اده للمحاماة، وعندما تعاطيا بدأا يختلفان، ثم تنافسا على كل مناصب الحكم، النيابة ورئاسة الحكومة حينما كانت بين ايدي المسيحيين وصولاً الى الرئاسة لاحقاً. كانا اول مَن اوجد صراع الموارنة على الرئاسة ثم تبادلا الكراهية. كانا جبلين. بعدهما، درجت القاعدة على كل منصب. بسببهما كرهت السياسة، لكنني دُعيت اليها من اشغالي في بيروت وافريقيا وكندا. وهي الى اليوم لا تزال تفرّق في كل سلالم الحكم».

امتعاضه من الواقع الداخلي، لا يبدّد تقديره رئيس الجمهورية ميشال عون: «كنت اول مَن قال، في 28 شباط 2015، ميشال عون رئيساً او لا احد. قلت انه خيّط الرئاسة على مهل. ذات يوم من عام 2015 قال لي إما انا رئيس او لا احد. صدقته، واعتقدت جازماً بأن ذلك سيحصل. بعد اقل من سنتين، صحّ التوقع وصار رئيساً لأنه هو الماروني القوي. كنت افضل لو انه انتخب قبل 18 عاماً. كان الوضع سيختلف تماماً. ربما كنا في حال مختلفة».

لأنه غير مهتم كثيراً بما يجري في الداخل، عينه مفتوحة دائماً على اسرائيل والصهيونية واليهود. يفرّق بينهما الى حد الافصاح عن اعجاب غير محدود باليهود. اصدقاؤه الاميركيون والفرنسيون يهود. عندما كان ثمة يهود في لبنان قبل الحرب كانوا اصدقاءه. رمّم بعد الحرب مقبرتهم وكنيسهم. قرأ عنهم 3000 كتاب، وكَتَبَ مئات المقالات ما لم يفعله احد منهم. ملم بتاريخهم اكثر من اي منهم. يسهب في الحديث عنهم كشعب سوى الصهيونية ودولة اسرائيل التي يجهر بعدائه لها «حتى الموت». في ذاكرته ارقام لا تنتهي عنهم: «هم الى تناقص. وصل عددهم الى 12 مليوناً و900 الف في كل العالم، ثم تدنى الى 12 مليوناً و400 الف. وصلوا في التاريخ، في عزّ عصر روما، الى 25 مليوناً. العدد الغالب دائماً ما بين 10 و15 مليوناً. عندما قيل ان اسرائيل استقبلت من روسيا مليون يهودي، كان بينهم 240 الف ارثوذكسي ارادوا الفرار من الاتحاد السوفياتي، فتحججوا بأنهم يهود، ما اجبر اسرائيل على بناء ثلاث كنائس ارثوذكسية لهم. الباقون مسنّون. تقول اسرائيل ان سكانها اليوم خمسة ملايين، بينما العدد الفعلي اقل لأن مليوناً و300 الف منهم هاجروا. في المقابل، فإن الفلسطينيين في الاراضي المحتلة مليون و800 الف، وفي الضفة الغربية ثلاثة ملايين و500 الف، وفي غزة مليونان و200 الف. الفلسطينيون في كل فلسطين 7 ملايين».

يعوّل اده على هذه الارقام كي يقول ـ على طرف نقيض من الداعين الى دولتين فلسطينية واسرائيلية ـ لا دولة فلسطينية في فلسطين التاريخية: «من غير الوارد للاسرائيليين الموافقة على دولة فلسطينية. الضفة الغربية بالنسبة اليهم ارض الميعاد. هي ارضهم وليس تل ابيب ولا البحر. يريدونها لأنها اساس اطماعهم. كيف تفسّر اذا وجود 2000 جندي اسرائيلي في الخليل لحماية 450 يهودياً، بينما يعيش فيها 40 الف فلسطيني. عندما انسحب شارون من غزة وأرغم 8000 مستوطن على اخلائها معه لم يكن تطبيقاً لاتفاق اوسلو فحسب، بل لأن هذا القطاع، بـ366 كلم2، هو الدولة الفلسطينية. واذا لزم الامر ـ كما يشاع الآن ـ شقفة من سيناء».