IMLebanon

«محطات انتخابية»: عن «أبو الياس»

 

تتملكني الحيرة كلما نويت ان اكتب عن رجل كبير هو الرئيس الراحل ميشال المر. فعن اي وجه من الوجوه والمحطات التي كنت فيها شاهداً يمكن ان اكتب. عن ذلك الرجل الذي أدّعي انني اعرف شيئاً عن سلوكياته وتصرفاته وأخلاقه. عن ذلك الذي رافقته في عدد من المراحل والمحطات العاصفة والمرة، وتلك الهادئة والرصينة، او تلك المناسبات المليئة بالنجاحات.

وطالما اننا اليوم في الذكرى الاولى لغيابه نعيش في الزمن الذي دخلت فيه البلاد مدار الانتخابات النيابية، لا بد من العودة الى بعض المحطات الانتخابية التي رافقتُ فيها الرئيس الراحل عندما كان وزيرا للداخلية مكلفا إدارة العملية الانتخابية في اكثر من استحقاق تم على مساحة لبنان حيث كانت تتحول وزارة الداخلية خلية نحل ادارية وامنية وسياسية ونيابية.

 

فلقاءات «قصر الصنائع» والتي كانت تعرف بـ»لقاءات الخميس» مثلا، كانت تحفل بالحشد النيابي والاعلامي، حيث كان يلتقي عشرات النواب والصحافيين يتداولون فيها بالجديد السياسي والوطني والتي شكلت منتدى للبحث عن خفايا كثير مما كان يجري على الساحتين اللبنانية والاقليمية، قبل أن تتخذ اشكالا وأهدافا أخرى عندما تقترب البلاد من المهل الدستورية المتصلة بالتحضير للانتخابات النيابية حيث كان في الإمكان قراءة المشهد الانتخابي.

 

ففي انتخابات العام 2000 كان على وزارة الداخلية ان تطبق القانون الجديد الذي حمل الرقم 171 الذي صدر في 6 كانون الثاني 2000 والذي أعاد تقسيم بيروت الى ثلاثة دوائر ودمجَ الشوف بعاليه، كانت صالونات وزارة الداخلية مسرحا لرصد اي متغيرات بعدما وجهت الدعوة الى إجرائها على مرحلتين، الشمال وجبل لبنان في الاحد الأخير من آب والثانية لبيروت والجنوب والبقاع في الأحد الأول من أيلول.

 

وعليه، تحولت وزارة الداخلية الى مختبر ومرصد لاستكشاف النيات وولادة التحالفات، من دون إغفال بعض المقالب التي كان يتقنها بعض النواب «المعتقين» مستهدفين الحلفاء او الخصوم. فكانوا يتحدثون بكل ثقة عن معلوماتهم عن مشاريع التحالفات بطريقة تخالف ما كان قد «طبخ» قبل أيام في لقاءات سرية، خصوصاً ان بين مسرّبي السيناريوهات ممن كانوا من «زوار الثلاثاء» في «عنجر» قبل ان تفضحه رواية أخرى ممن كان يشارك في مطابخ «قريطم» او في «عين التينة».

 

وان كانت هذه المقالة لا تتسع للأمثلة عن انتخابات الـ 2000، لا بد من تناول محطات انتخابية سابقة التي ادارها «ابو الياس» ومنها ما شهدته انتخابات الـ 1996 التي أجريت بين 18 آب و15 أيلول وفق قانون جديد أقرّ في 25 حزيران واعتمد المحافظات الأربع، كدوائر انتخابية، ما عدا جبل لبنان الذي بقي ستة دوائر على قياس أقضيته بعد تمديد ولاية المجلس ثمانية أشهر.

 

وعندما حان موعد الإنتخابات في محافظتي الجنوب والنبطية يوم الأحد في 8 أيلول 1996، نَوى «ابو الياس» القيام بجولة على احد اقلام الاقتراع الجنوبية حيث تنتشر قوات «اليونيفيل». وبالرغم مما سبقها من جدل وتحذير كبيرين في ظل سيطرة قوات الاحتلال الاسرائيلي التي تمسك بالمداخل الجنوبية، وخصوصا ان البلاد لم تكن قد خرجت بعد من تداعيات «تفاهم 26 نيسان 1996». فقد تجاوزها معاليه واستقر الرأي على ان يتفقد مركزا انتخابيا انشىء في مركز «لليونيفيل». فالمعلومات كانت تتحدث عن احتمال منعه من القيام بها بقرار لقوات الاحتلال الاسرائيلي.

 

وعلى الرغم من هذه التحذيرات فقد انطلقنا باتجاه المنطقة في وقت مبكر. كنا معاً في سيارة دولته، ومعنا مسؤول يعرف طرق الجنوب جيدا. ولمّا طالت الطريق وبعدما رصدنا بعض القذائف المدفعية المتفرقة التي سقطت عن يمين الموكب ويساره، اضطررنا الى الاحتماء في موقع كسّارة متوقفة عن العمل بعدما اشتبه بأنّ رصاصات مضاد استهدفت الموكب بمسافة تسبقه بأمتار. سألنا عندها «ابو الياس» وقال ممازحا: «بعدما طال المشوار يا اخوان هل في الامكان ان نكون قد دخلنا الاراضي الاسرائيلية ومش عارفين؟ وهل يمكن ان نصل الى القدس؟!». ضحك الخبير الجنوبي ونصحنا بالعودة مخافة أن نتعرض لمكروه. ولكن «ابو الياس» أصَرّ معانداً وقال: «تأخرنا لنغيّر قرارنا، نحن هنا في منطقة لبنانية تجري فيها انتخابات نيابية وأنا وزير داخلية وعلى مسافة قصيرة من اقرب مركز انتخابي سأتفقده ولن يمنعني أحد وليكن ما يكون».

 

بعدها مضى الموكب بحذر الى ان بلغنا جسرا قديما فوق نهر ما زال يتدفق في نهاية الصيف، استقبلتنا عنده وحدة صغيرة من قوات «اليونيفيل» ورافقتنا الى المركز الانتخابي على امل ان تكون الزيارة «قصيرة وعاجلة» بنصيحة دولية، فموقع الاحتلال الاسرائيلي المواجه لطريقنا كان مصدرا للقصف والقنص الاسرائيلي في اتجاه الموكب والزيارة غير المرغوب بها».

 

وبعد أخذ الصور داخل قلم الاقتراع عدنا أدراجنا بالسرعة المطلوبة على وقع الإتصالات المطمئنة على «ابو الياس» والتي تساءلت اذا كانت الزيارة قد تمّت على خير؟. أمّا ابو الياس فكان في حال من الاعتزاز والنشوة بأن حقّق ما أراده، وقد ربح التحدي.