أنا حيث ما تكون قاعدتي، وحيث أكون تكون قاعدتي. بثقة تامة تحدّث الراحل ابو إلياس، دولة الرئيس ميشال المر، يوماً، عن تجربته في العمل العام، النيابي تحديداً، متوقعاً ان يستمر في نيابته حتى التسعين وهذا ما حصل.
منذ انخراطه المبكر في السياسة، كان يعرف ماذا يريد. النجاح والصمود في المقام. حاول مع “الحزب القومي” في الانتخابات التي سبقت محاولة انقلابه وفشل، فاختار الكتائب أو اختاره حزبها في الدورة التالية (1964)، وفي الدورة اللاحقة انخرط مع الحلف الثلاثي الذي سيكتسح المقاعد المسيحية في جبل لبنان.
لم يعد ابو الياس نائباً في انتخابات 1972. كانت صدمة لأن الفائزين يومها سيستمرون نواباً لمدة 20عاماً متتالية. كان غيابٌ بهذا الحجم كفيلاً بتحطيم وجوه سياسية راسخة، الا ان المقاول ورجل الأعمال تابع شبك علاقاته مع القوى المهيمنة. صار صديقاً للسوريين ليلعب دوراً في ترئيس الياس سركيس، ثم سار مع بشير الجميل في صعوده الى الرئاسة، وإذ غيّبه شقيقه أمين عاد الى الملعب السوري ليسهم في الاتفاق الثلاثي وكل ما تلاه من صعود وهبوط السياسات السورية في لبنان، بدءاً من ضرب ميشال عون، مروراً بترئيس الياس الهراوي ثم “عم الياس” إميل لحود، ليدور الزمن دورته ويحصل اللقاء الانتخابي مجدداً مع عون (2005) قبل ابتعاد المر مجدداً… الى قاعدته.
هل كان ابو الياس مجرد وفيّ للمثل القائل “مين ما أخد أمي صار عمّي؟”. في تجربته انه كان فالحاً في تطبيق هذا الشعار. وهو لا يخفي بعد تجربته الطويلة انه يتعاطى مع أي سلطة قائمة بهدف تأمين الخدمات لجماعته ومن يقصده من المواطنين. وتحوّل مكتبه في العمارة على مدى سنوات الى مخفر ودائرة تربوية وعقارية ومركز تخليص معاملات، منه يقود “لجنة مركزية” من نحو 60 شخصاً، تضم رؤساء بلديات المتن ومخاتيره… وهؤلاء هم القاعدة التي ستمشي كما يمشي قائدها بعد ان يجعلها تقرر الإتجاه الذي يقترحه!
النيابة كمهنة تحبني، قال المر للزميل رامي الأمين في برنامج خاص بتلفزيون “الجديد” قبل سنوات. لم يتواضع ابو الياس ليعلن انه يحب ويتمسك بمقعده النيابي الى الحد الذي جعله يفضل ان يكون “كتلة” نيابية ولو وحيداً، مرشحها الدائم الى الوزارة الياس المر!
بالتأكيد كان المقعد هدفاً اساسياً، خصوصاً بعد غيبة 1972المديدة. وبينما كان ابو الياس وزيراً للدفاع في 1991، كان كافياً ان يسمع باحتمال ان يُعَيَّن ابن بلدته جورج حاوي نائباً في سلسلة التعيينات السورية ذلك العام، حتى يستشيط غضباً، ويسألني الى آخرين في شقته باليرزة: لماذا يكون ابن الحاوي أفضل مني؟ وفاز ابو الياس في تلك السنة بالتعيين، وكبرت العمارة، الى ان رحل صاحبها، شخصية نموذجية لرجل السلطة في لبنان، ربما تكون أفضل بكثير من نماذج لا تزال حيّةً تسعى.