IMLebanon

الرجل العابر

 

 

كل ما كُتب قليل على الموت المهيب والمخيف.

 

كلّ الكلام، هو تعزية لنا، أو قطعة قماش معقّمة نضعها فوق جرح الروح.

 

كتبنا ونكتب، لنشعر أن الغائب حاضر معنا ببهائه، بابتسامته، برنة صوته، بإيمانه، بقوته الهادئة، بوضوحه، بتفاؤله.

 

لكل منا تجربة عابرة، مع الرجل النبيل العابر في حياتنا المهنية مثل نسمة عطر. كان بيننا حضورياً في الولادة الأولى لـ”نداء الوطن”، في المواجهة الأولى، في أعيادنا الأولى، وبقي معنا قريباً على بعد. ومتى حضر نلتف حوله. يسمعنا بقلبه. وبكل حواسه، وحيوية ذهنه. نناقش شؤوننا وشؤون البلد. نشرّع أبواب النقاش على مصاريعها. ولم نحسبنّ أن يأتي يوم ويغادرنا “الرجل العابر” كمؤمن ملبياً نداء الله تاركاً ابتسامته فراشةً تتجوّل في أروقة “جريدته”.

 

قد يكون ميشال مكتّف الوحيد بين ناشري الصحف في لبنان، الذي لم يشأ أن تكون جريدته منصّة شخصية وسياسية له، بل أرادها منصة سيادية منفتحة، قضيتّها الأم، لبنان المستقل ومستقبل شبابه.

 

أخذ من “جريدته” مساحة بقدر ما كان هو في قلب الحدث، في المقابل أخذت منه الجريدة كل الدعم وكل الحرية وكل العزم.

 

ناشرٌ إستثنائي في زمن إستثنائي. لم يملِ على محرر سطراً، لكنه ملأ في الوسط الصِحافي فراغاً، وأضاف إليه “نسبة” عالية من الحرية.

 

مرة واحدة في ثلاثة أعوام، وجدتني أتصل بميشال مكتّف وذلك بعد الغزوة الأولى لـ”قاضية العهد”. ولمرّة لم أعرف ماذا أقول له. ولماذا طلبته. كنت مربكاً إلى حدّ ما وكان كما عهدناه واضحاً نقياً إلى حدّ بعيد. كان على ثقة بأن “للجنون حدوداً” وللباطل أيضاً. تحدثنا لحوالى الدقائق العشر، ولم يبقَ في ذاكرتي من فحواها سوى ظلّ لضحكة طالعة من ذاك القلب، خائن باقي الجسد.

 

أُسيء إليه كثيراً وبقي أعلى من الإساءات.

 

شوّهوا صورة ميشال مكتّف، بتلفيقات وسيناريوات، وبقيت صورته على الرغم من كل شيء آسرة، شفافة، واضحة.

 

“ميشال متل الشمس” كتبت أسما إندراوس، ولم تصدّق أن الشمس يمكن أن تطيل الغياب لأيام وأشهر وسنين.

 

ولأن الموت متصل، بشكل ما، بالغفران.

 

يبقى على قاضية العهد القوي التي أساءت إليه عمداً، أن تطلع ذات يوم مشمس، إلى مكان سقوط ميشال مكتف، وتطلب المعذرة والمغفرة من روحه الأنقى من الثلج. لا بأس لو تأخرت قليلاً…