لا يستحقّ ميشال مكتف، الدمث، كل هذا الحقد الذي انصبّ عليه لحظة أُعلنت وفاته. ولا يستحقّ حكماً، وسط صدمة محبيه وعارفيه الذين ودّعوه أمس، هذا التشفّي بالموت، وتوزيع صورته مفارقاً الحياة التي كانت تليق به (أين مسؤولية الصليب الأحمر والقوى الأمنية)، فيما صورته الحقيقية مبتسماً ضاحكاً للحياة.
لا في التقاليد اللبنانية التي اندثرت على ما يبدو، ولا في الأخلاق والدين، ما يمكن أن يبرر هذا الحقد والإصرار على خرق حرمة الموت. من التقط صورة مكتف ارتكب عملاً إجرامياً، ومن تناقلها شريك في الجريمة. كل هذا الادّعاء اللبناني الأجوف كان، في لحظة حقد أعمى، يصيب رجلاً خلوقاً وصاحب ضحكة لا تفارقه. كل ذنبه أنه في لحظة انهيار سياسي أصبح محط أنظار اللبنانيين الذين لا يعرفون عنه شيئاً، إلا ما رأوه على شاشات التلفزيون، فأصابته لعنات لا يستحقّها مطلقاً. ميشال مكتف الذي بُرّئ من التهم، كما أكد وكتب محاميه الكسندر نجار، هو رجل الأعمال وناشر جريدة «نداء الوطن». ومن يعرفه من حلقة أصدقائه الكثر والمقرّبين والعائلة والمتعاطين في الشأن السياسي والإعلامي والمالي والاجتماعي، يعرف تماماً أن الصورة التي أرادها البعض له لا تشبهه أبداً.
لم يقف مكتّف أمام عدسات الكاميرا يوماً حاملاً شيكاً لمساعدة اجتماعية، لكنّ الكنيسة والمؤسسات المعنية تعرف حجم ما كان يقدّم من مساعدة. لم يتبجّح يوماً بأنه قائد سياسي لحركة الاستقلال الثاني، لكنه عرف كيف يكون إحدى أبرز شخصياتها وناشطاً وفاعلاً في حركة سياسية ناشطة مع مجموعة من سياسيين، بعضهم رحل وبعضهم لا يزال ناشطاً بقوة، وقياديين وأصدقاء لهم خبرتهم السياسية، يقف إلى جانبهم ويقفون إلى جانبه. المؤسف في غياب مكتف، سليل العائلة البعيدة عن الإعلام رغم نشاطها المالي والاقتصادي والاجتماعي القديم وليس الطارئ المبني على فساد ونهب وسرقات، عدا فعل الغياب في حدّ ذاته، أنه – في لحظة – كشف خواء الأعجوبة اللبنانية، ومستوى الانحدار السياسي والأخلاقي. هو المتواضع الذي لا يشبه رجال المال والسياسة الحديثي النعمة والمتبجّحين بثرواتهم الطارئة، استحقّ حياة جديرة به، ولا يستحق مطلقاً كمية السموم التي أُطلقت نحوه. فجرائم الكراهية وجدت فيه ضحية مناسبة، وهو الذي لم يكن سياسياً أو رجل أعمال فاسداً، وأظهرت مرة أخرى أن تردّي الأخلاق واختراق حرمة الموت، صارا، بكل فخر، «صُنع في لبنان».