Site icon IMLebanon

الشعبوية ومكتّف واللبنانيون

 

ودّع اللبنانيون أمس الرجل المبتسم على الدوام ميشال مكتّف بكثير من الأسى على فقدانه. إنه نموذج للشخصية العامة المستقيمة في عملها السياسي، والبعيدة عن أي شبهة نفعية من وراء تقدّمها صفوف التحركات الشعبية والسياسية على أنواعها وأشكالها، مثلما كان الأمر في تصدره العمل في الأمانة العامة لتحالف قوى 14 آذار منذ العام 2005 ، أو قبلها في عمله في إطار حزب الكتائب، وفي أي منتدى سياسي شارك في فعالياته.

 

العمل بعيداً من الأضواء لم يكن يزعجه. ولم يكن في أي من نشاطاته يسعى إلى الصدارة، وكان يفضل أن يكون محرِّكاً لا أن يكون متزعماً، وأن يكون مساهماً في إنجاح نشاطات قوى 14 آذار لا أن يكون متصدراً فعالياتها. الفكرة كانت همّه. إخراج لبنان من دائرة السيطرة الخارجية، ومن الوصاية السورية ثم من الهيمنة الإيرانية وبناء مستقبل رحب الأفق للبلد وللأجيال المقبلة، مع الاحتفاظ بصيغة العيش معاً ضمن إطار التعددية والحوار. ولذلك شكل لفترة من الزمن ثلاثياً مع الراحل سمير فرنجية والنائب السابق فارس سعيد في العمل في إطار انتفاضة الاستقلال وما بعدها، سعياً وراء استمرارية تحالف 14 آذار، الأمر الذي لم يفلح به مع آخرين.

 

الفكرة هي التي اهتم لها ميشال مكتف، حول مصير لبنان والمستقبل لمرحلة ما بعد الاستقلال الثاني. ولذلك كان حماسه لإطلاق «نداء الوطن»، لتكون صوتاً يحفظ لجوهر 14 آذار استمراريته.

 

إذا من مثال على الشخصيات المقتدرة التي تساهم في المشاريع الخيرية من دون أي مقابل تتوخاه أو شهرة تبحث عنها أو توظيف سياسي أو إعلامي أو اجتماعي تسعى إليه لمصلحتها وأهداف مبيتة. في ميشال مكتف تتميز تلك الصفة. والدليل أن إسهاماته في هذا المجال لم تكن معروفة للملأ، إلى أن أخذ بعض المعنيين يشيرون إليها بعد حادث وفاته المؤسف. وهو ما زاد في القناعة عند من عرفوه أنه فائق التواضع من دون أن يصطنعه ليتحول إلى تواضع زائف. فهو من النوع الذي لم تكن الشهرة تعني شيئاً له.

 

غادر ميشال مكتف الدنيا بعد أن أنصفه القضاء اللبناني إثر التعرض الجائر له بإجراءات قضائية أحادية الجانب قبل أكثر من سنة بطريقة استعراضية وشعبوية مبنية على افتراضات أقل ما يقال فيها أنها كانت مسرحية من نسج خيال واهم. يحق لأصدقائه أن يعتبروا ما تعرض له من ملاحقة أقل ما يقال فيها إنها كانت بغرض سياسي ومحاولة فاشلة لاستهداف غيره عبره، قد أرهق شرايين القلب وأتعبها جراء الظلم الذي تعرض له صاحبها. لكن ما هو مؤكد أن تشويه السمعة كان هدفاً لدى من افتعلوا ملاحقة مكتف في حينها.

 

هذا من دون أن ننسى أن من بين الأهداف كان تطويع الرجل لأنه ناشر الجريدة التي تجرأت على قول ما يعتبره النافذون من المحرمات، عن التبعية التي تتحكم بـ»الأقوياء» في الحكم، بزنود غيرهم.

 

الصدفة تشاء أن المعارك السياسية التي تخاض بواسطة القضاء، من باب الإمعان في استخدام سلطته المستقلة وعن طريق مصادرة تلك الاستقلالية مهما نفى المعنيون، قد انفجرت شظاياها في وجه السلطة السياسية وسائر المسرح السياسي، في اليوم نفسه لوفاته الصادمة.

 

وكالعادة انتهت المعارك بين بعض القضاء والمصارف وحاكمية مصرف لبنان، وبين بعض الجسم القضائي وبعضه الآخر، وبين أركان السلطة السياسية حول مواقع النفوذ في الدولة، إلى مخارج تقف عند حدود تعليق المنازلات إلى حين. فالتسويات الظرفية لهذه المعارك التي تتوسل القضاء، لا مفعول لها في ظل الفريق الحاكم سوى تأجيل تسعيرها إلى حين، للملمة الأضرار، التي تصيب اللبنانيين أكثر مما تصيب المستهدفين لأسباب كيدية.