لم يكن مفاجئاً فوز المرشح ميشال الياس المر بالمقعد النيابي الارثوذكسي في دائرة المتن الشمالي الذي احتلّه جده الراحل ميشال المر لعشرات السنين حتى وفاته، بل كان انتقالاً من الجد الى الحفيد على متن وفاء المتنيين لهذا البيت السياسي العريق الذي لطالما وقف الى جانبهم وعبّر عن تطلعاتهم في الندوة النيابية وعلى الارض التي تحمل من آثاره ما يخلده الى أبد الآبدين.
كان طبيعياً ان يفوز ميشال المر بهذا المقعد النيابي لأنّ زعامة آل المر ملتصقة منذ القرن الماضي الى الآن بالبنية الاجتماعية المتنية واللبنانية، وتميزت دوماً بالاستقلالية والاعتدال والوسطية والتفاني في الخدمة العامة التي تجاوزت المتن الى كل لبنان، وهي زعامة تتخطى الطائفة الارثوذكسية الى المستوى الوطني ولها صولاتها وجولاتها المتواصلة في الحياة السياسية منذ ايام «ابو الياس» الى نجله نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية والدفاع السابق الياس المر ونجله النائب المنتخب ميشال الذي يستعد الآن لمتابعة مسيرة الجد والأب خدمة للمتن ولبنان.
وفي كل الدورات الانتخابية السابقة كان «ابو الياس» السبّاق لمنافسيه فيها، وحبه الدائم للمتن والمتنيين جعله يحرص على تمثيلهم في النيابة والوزارة حتى الرمق الاخير، فهو الذي عاش يوميات اهالي المتن بكل مدنه وقراه وخَبر سر الانتخابات بكل متطلباتها وموجباتها، والجميع كان يشهد لخبرة ماكينته الانتخابية ودقة حساباتها والتوقعات، بحيث انه كان يعرف النتائج التي سيحققها مسبقاً، فيذهب الى الانتخابات واثق الخطى مدركاً مكامن قوة منافسيه وضعفهم، ما مَكّنه دوماً من خوض معارك انتخابية مضمونة النتائج.
وبهذا الاداء وهذه الروحية التي كان يتحلى «ابو الباس» بهما، خاض حفيده ميشال معركته الانتخابية بالتحالف التاريخي الذي نَسجه جده مع الطائفة الارمنية، عارفاً مدى قوة منافسيه ومكامن ضعفهم، وعارفاً ايضا بخريطة المتن الشعبية والسياسية والجغرافية كراحة كفّه، وهي الخريطة التي ورثها من الجد والأب اللذين رسماها بعرق الجبين وبخدمتهما ومحبتهما للمتنيين الذين لم تغيّر تقلبات الاوضاع وموازين القوى في المتن وخارجه من خياراتهم وتأييدهم لزعامة آل المر الراسخة في وجدانهم ويمارسونها يومياً فعل محبة ووفاء لها، الى درجة انّ استبعاد بعض القوى السياسية لهذه الزعامة عن المواقع الحكومية والوزارية طوال اكثر من 12 عاما وعلى يد بعض ناكري الجميل لم يَمح من ذاكرة المتنيين وفاءها واخلاصها وتفانيها في خدمتهم، فقابلوها هذا الاخلاص والتفاني والوفاء في صناديق الاقتراع تأييدا للنائب ميشال المر مؤكدين انّ هذه الزعامة هي زعامة مستدامة من ابو الياس الى الياس الابن وميشال الحفيد الذي بإسمه وبما ورثه من الجد يُبقي اسم السياسي ورجل الدولة ميشال المر حياً في الحياة السياسية والوطنية، ما يعني انّ ما زرعه «أبو الياس» ونجله «ابو ميشال» في المتن ينمو ويزدهر عطاء لهذه الدوحة اللبنانية وللوطن، وحباً متنياً لآل المر ودعماً لمسيرة زعامتهم على المستويين المسيحي والوطني.
لذلك فإن النائب ميشال المر ليس طارئاً على العمل السياسي وتَعاطي الشأن العام الذي كان يعيشه يومياً في كنف جده الراحل وفي يوميات الوالد الذي قدّمه «لخدمة لبنان» يوم اعلان لائحة «معاً أقوى» التي خاضت المعركة الانتخابية في المتن وفازت بمقعدين نيابيين.
على انّ عارفي النائب ميشال يقولون ان ما اطلقه من وعود للمتنيين واللبنانيين خلال حملته الانتخابية لن يكون كلاما انتخابيا وإنما سيعمل بصدق وتفان على تنفيذه لأنه من قماشة سياسية تعشق خدمة الناس والأخذ بأيديهم، وهو رصدَ خلال جولاته الانتخابية مناطق وحالات ستكون محور اهتمامه في قابل الايام، بحيث انه سيُقرن العمل النيابي التشريعي والرقابي بملاحقة مشكلات الناس ومعالجتها على المستويين: الشخصي الذي يُحتّم عليه واجباً تجاه المتنيين الذين اعطوه ثقتهم، والرسمي الذي يخرج عن طاقته الى طاقة الدولة ومؤسساتها التي يجب تحفيزها ودفعها الى السهر على قضايا الشعب وتعالجها.
ويرى البعض انّ فوز المر كان فوزاً لخط الاعتدال اللبناني، وان الرجل لن يخرج عن هذا الخط الذي اعتنقه الجد ويسير على نهجه الوالد، وذلك لاقتناعه بأنّ ازمات لبنان السياسية وغيرها لا تعالج الاّ بالحوار وانتهاج الاعتدال، وان اللبنانيين الذين يعيشون في وطن نهائي لجميع ابنائه يُمقتون اللجوء الى الشارع والعودة الى زمن الحروب التي جرّت عليهم الويلات، ولذلك سيكون الاعتدال دوماً روحية خطابه السياسي في الندوة النيابية وخارجها.