أصبح من المتعذر بعد طيّ صفحة الألقاب ذات المنشأ العثماني، العودة إلى استعمالها. فقد يكون من باب العيب أن تبقى تعابير الفخامة والمعالي والسعادة سارية، في وقت يسود الحزن العميم، ويعاني الناس من الهبوط الحاد، الذي يمقت العلا والمعالي. واستطراداً ستلقى صفة الفخامة المصير نفسه، لأنّ التفخيم الممجوج، طوته آلام الانهيار، كما سبقه زمن يحضر نفسه لاستقبال الحداثة.
على هامش معركة الفخامة، كان نائب شاب لا غبار على استقامته الشخصية والوطنية، يخوض معركة الرئاسة برؤية واقعية. حفر الجبل بإبرة القدرة، على أن يكون مرشحاً يجمع بين صفة المخضرم، ربطاً بين تراث ورثه من رينيه معوض، وقدرة على محاكاة جيل الشباب.
هو ميشال معوض، الذي لم يفاجئ أحداً، بأنّه نال ثقة كتل نيابية طوعاً أو خجلاً. هو الذي حفر جبل ترشيحه بإبرة. هو الذي مر في حقول ألغام كثيرة، وخرج منها لـ11 جلسة نيابية، فائزاً بأصوات السياديين، ونافضاً عنه تهماً كثيرة، متصلة بمساومة مزعومة على حقوق الناس، في المصارف. هو النائب الديناميكي، والقادر على إدارة ملفاته بأعصاب «سيبيرية»، وبتواضع جمّ، و»بشعطة» زغرتاوية، إذا ما تجرأ أي خليل على الاقتراب من كرامته.
إستبق المرشح الرئاسي ترشحه، بجولة اتصالات مع كتل وأحزاب، فكان ترشيحه اختباراً أخرج «حزب الله» من «وكره». مع ميشال معوض سارت عملية كشف أهداف «الحزب» على قدم وساق. إنتقل الثنائي من ذريعة إلى ذريعة. خرج الرئيس نبيه بري عن التحفظ، ليهاجم معوض بشكل شخصي، فكان رد عنيف، وحدود رسمت بالكلام الجارح. بعد ذلك كان التحضير للرد على عواصف بري، توافقاً على جهاد أزعور، بذل فيه معوض، بتفويض من «كتلة تجدد»، جهداً رئيسياً. كان ميشال معوض رأس حربة كمرشح، ثم استكمل دوره بصناعة فرصة أخرى ومرشح آخر، لكن هذه المرة مع تسجيل نقاط في مرمى «حزب الله»، كافية لكشف حقيقة أنه يراد فرض سليمان فرنجية، حتى ولو كان الخصم من غير فئة الصقور، أو الذين يهددون بقلب المعادلات.
وكان ترشيح معوض اختباراً من نوع آخر. اختبار لنوع غريب من نواب الأمة، الذين ناصبوه العداء باعتباره جزءاً من المنظومة، ذلك مع أنّه لم يسجل عليه إلا التحالف الآني والمناطقي مع «التيار العوني»، وهي خطيئة كفّر عنها لاحقاً، فيما سجل له أنه لم يتورط في أي لعبة من ألعاب الفساد. هؤلاء رفضوا انتخابه وهم سيذهبون الى انتخاب جهاد أزعور، الذي ساهم هو بترشيحه.
خامة وفخامة. ابن منطقة مارونية متشددة، وابن رئيس شهيد باسم اتفاق الطائف، وصاحب قدرة على أن يكون صلة وصل بين مكونات متنافرة ومتنوعة. لم يذهب الجهد الذي وضعه لتشكيل كتلة «تجدد» سدى. علاقته مع النائب أشرف ريفي عميقة ومتجذرة ومفعمة بالثقة المتبادلة، والعلاقة مع النائب فؤاد مخزومي جديدة لكن سريعة التطور. عمل مخزومي طوال فترة ترشيحه، على أن يهيئ له كل عناصر الدعم، في الداخل وفي الجولات الخارجية. علاقته بريفي ومخزومي كعلاقة بشارة الخوري برياض الصلح، التي أنتجت كياناً غالياً، يستحق التضحيات.
خامة على قياس لبنان المتنوع، وفخامة لا تقتصر على البهرجة، بل على العمل الجدي والمنهجي، في سياق التحضير لمعركة طويلة لاسترداد ما خسره لبنان من فرص. أسقط ترشيحه بنفسه، كمرشح باسم القيم المشتركة لأغلبية من اللبنانيين، وهو يستعد لجولات جديدة، في الرحلة الطويلة، والقدر اللبناني المفتوح على كل الاحتمالات.