بين مقاطعة التيّار العوني وحزب الله لجلسة مجلس الوزراء البارحة، بعد موافقتهم المُسبقة على جدول أعمالها، وقرار المحكمة العسكرية إطلاق سراح ميشال سماحة، الرسالة كانت واضحة للبنانيين: على دولة القانون والأمن والعدل السلام.
إنه زمن إلغاء الآخر، وفرض السلطة بالقوّة. فالتيّار العوني يقود معركة الرئاسة خلف درع الجمهورية، فإما أن تكون بيده أو تُطحن خلال المبارزة القائمة. وتنسحب هذه العقلية على مختلف الاستحقاقات، وآخرها جلسة مجلس الوزراء. فعلى الرغم من تأكيد الرئيس سلام على أنها جلسة حياتية بعيدة عن القضايا الخلافية، ملتزماً بجدول أعمال تم التوافق عليه مُسبقاً، إلّا أن كل هذه المراعاة لم تُخرج الفريق العوني وحلفاءه من متراس المواقف المتصلِّبة، فأصرّوا على فرض شروطهم وبنودهم بالطريقة التي تلائمهم، ضاربين الدستور والأصول والآليات عرض الحائط.. فلا بدّ من خروج أسماء التعيينات من الرابية، وإلزام الحكومة بضمانات حوّلت جدول أعمال مجلس الوزراء إلى مطالب للابتزاز ضمن حرب عصابات.
لقد استباح هذا الفريق دولة المؤسسات، فانتدب وزير الخارجية نفسه ناطقاً باسم إيران، وأخرج لبنان، بعد عقود من العلاقات المميّزة مع محيطه العربي حيث مصالح أبنائه وامتداده الطبيعي، من مظلّة الإجماع العربي.. واستباح التعطيل بدءاً من الانتخابات الرئاسية، مروراً بمجلس النواب وصولاً إلى مجلس الوزراء. وبقيت مصالح اللبنانيين في مهبّ الصفقات: النفايات تهدّد الصحّة العامّة، والكيديات تبقى بالمرصاد للحلول المطروحة.
أما الطامة الكُبرى، فهي نهج الكيل بمكيالين، حيث فُتحت سجون لبنان لإخراج المجرم، المعترِف بالصوت والصورة، بالتآمر على الوطن والتخطيط لضرب السلم الأهلي، عبر زرع المتفجّرات وقتل الأبرياء بهدف إشعال الفتنة، فيما يتمّ زجّ الناشطين بالحراك المدني، الرافضين لتحويل ملف النفايات إلى مغارة علي بابا، في نظارات التوقيف!
نعم، إنه نفس القضاء، الذي لا يزال يُوقف المتهمين الإسلاميين لسنوات طويلة من دون محاكمة، والذي يُحاسب المدنيين اليائسين من استخفاف الطبقة السياسية بمصالحهم، على كل تغريدة، أو كلمة تعبِّر عن سخطهم!
هو نفسه الذي لم يستغرق أكثر من ثلاث سنوات حتى يُطلق سراح ميشال سماحة، في قرار لا رجوع عنه، وبغضّ النظر إذا كانت المحاكمة مستمرِّة، لأن ثقة اللبنانيين بالقضاء اهتزّت، واغتيال شهداء الاستقلال عامة واللواء وسام الحسن خاصة، تمّ معنوياً اليوم، بقرار من المحكمة العسكرية صدر بالإجماع!
إن الرسالة للبنانيين واضحة: إن عقوبة التآمر والتعامل مع دولة أجنبية لضرب السلم الأهلي لا تتجاوز الثلاث سنوات، وكل جُرم وله مخرج، شرط أن يتوفّر الغطاء السياسي له.
بِئس الطبقة الحاكمة العاجزة التي أوصلتنا إلى هذا الدرك، والتي لم تستطع أن تُوقف الفساد، ولا أن تُثبِّت قواعد دولة المؤسسات، والتي انشغلت بمصالحها الخاصّة، وكيدياتها السخيفة، فخسرنا كل مؤسسات الدولة، دون استثناء، وبتنا نعيش في غابة الوحوش الكاسرة، تحكمها شريعة الأقوى بعيداً عن أسس العدل والمنطق والأمان.
ميشال سماحة طليقاً.. هل يعني ذلك فصلاً أمنياً جديداً في لبنان، بعدما وُضعت المخارج السياسية في ثلاجات الانتظار.. حتى لا نقول الموتى؟!