دخل الرئاسة مغموراً وخرج منها مشهوراً، رئيس الجمهورية ميشال سليمان.
أريد له أن يكون مجرّد شاهد، أن يقبل بما يرسمه ويخطّط له الآخرون.
وأن يكون مجرّد حكم بين فريقَي الصراع الداخلي، وأن يكون محايداً تجاه فرقاء المطامع الخارجيّة في لبنان وعليه.
كان عليه كما ظنّوا، أن يكون ويبقى في زاوية الأمر المفعول، وأن يكون أقصى حدّ له هو الوسط والوسطيّة. وأن يكون أبعد قرار له هو التسوية والاعتدال.
وأنّه كماروني مضطر لمسايرة قوى الأمر الواقع كي يستمرّ! حماية لموقعه السياسي وأمنه الشخصي وتسهيلاً لشؤون المواطنين!
ومع مرور الوقت ثبت أنّ المراهنين كانوا واهمين، فهم لا يعرفون بدقة وبعمق طينة ميشال سليمان وفكره وقدرته وأهدافه وإرادته.
كانوا يجهلون أنّه ليس من صنف الموارنة «الشراشيح»، بل هو في كبريائه الوطنيّة مارونويٌّ «من كعب الدست»، وأنّه ليس من الصنف الذي يتلقّى الأوامر، بل هو القائد الذي يُصدر الأوامر، وأنّه ملتزم بالكيان والسيادة والدولة والإنسان.
ولهذا فهو حريص على كل دستور الجمهوريّة في جميع بنوده، لا يتخطّاه ولا يفرّط به. ولا يسمح لأحد بالتطاول عليه.
وعندما تجاوزت الميليشيات المسلّحة الأنتي-سياديّة الخطّ الأحمر، لم يكن أمام الرئيس سليمان سوى الانتفاضة. انطلاقاً من الدستور والسيادة ودفاعاً عنهما.
وأن يقول لا كبيرة وعالية في وجه قوى الارتهان وأن يطلقها مدوّية في داخل لبنان وفي المحافل الدوليّة.
لكنّ انتفاضة ميشال سليمان كانت متناسبة مع تركيبته السياسيّة: فهو إنسان ديمقراطيّ يرفض استخدام القوّة لفرض رأيه!
وهو ليس فئويّاً في خياراته السياسيّة، بل وطنيّ صرف يعانق كافة عناصر الأمّة وجماعاتها ويضعها في عقله وقلبه وضميره، وهو أب للجميع يترأس سلطة تمثّل الوحدة الوطنيّة وتقوم على الوفاق الوطنيّ، وعلى الثقة المتبادلة وعلى مبدأ الحوار سبيلاً إلى التفاهم.
أجل، إن كونه رئيساً توافقيّاً لا يعني أبداً أن يكون رئيساً من غير رأي ورؤية، ومن دون موقف ومن دون قدرة وبالتالي من دون فعاليّة. إنّ قدرته نابعة أساساً، من ضمير اللبنانيّين وخصوصاً من الجماعة التي يعبّر عن وجدانها الوطنيّ التاريخيّ: المسيحيّون عامةً والموارنة خاصة!
طوال رئاسته للجمهوريّة، أبرز العماد ميشال سليمان روحيّة القائد المحاور المنفتح الحريص على الوحدة الوطنيّة وعلى الاستقرار وعلى القيم اللبنانيّة. وهو كزعيم ماروني جسّد ويجسّد في مواقفه الوطنيّة المسار التاريخيّ للوجدان الماروني. أي الالتزام الكامل بنهائيّة الكيان اللبناني وبالإنسان والدولة في مواجهة سياسة الهيمنة والتسلّط على الوطن وعلى الدولة من بعض قوى الداخل والخارج.
ولئن كان ميشال سليمان نموذجاً لا ينبغي، بالنسبة للبعض، أن يتكرّر على رأس البلاد من جديد، فهو بالتأكيد نموذج ينبغي أن يلهم السياديّين كي يختاروا رئيساً بل رؤساء للجمهوريّة من هذا الطراز الراقي: وطنيّةً وفكراً وأخلاقاً.
رؤساء ليسوا من خرّيجي مدرسة الاحتلال، بل رؤساء من خرّيجي مدرسة الكبرياء الوطنيّة!.