IMLebanon

منتصف شباط يبدأ «الخطر التقني» على الإنتخابات

المسافة الفاصلة زمنياً عن الموعد المفترَض للانتخابات النيابية بدأت تضيق. التمديد الدستوري للمجلس النيابي مرة أخرى لا يبدو وارداً، لكنّ المساومات بين القوى السياسية في أوجها: «ماذا تعطيني في الحكومة لكي أعطيكَ في المجلس النيابي»؟ فهل يوحي ضيق الوقت بالاتجاه إلى أحد خيارين: تأجيل تقني لبضعة أشهر أو اعتماد قانون 1960؟

يراهن كثيرون على أنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لن يبدأ عهده بإخفاق، لا في ملف الانتخابات ولا في سواه. فهو حريص على صورته كـ«منقذ». ولذلك، بدأت تخرج إلى الضوء مقاربات غير مسبوقة تقول بـ«فكّ الاشتباك» ما بين رئاسة الجمهورية وسائر المؤسسات الدستورية، ولا سيما منها الحكومة.

يُراد من «فكّ الارتباط» أن يُقال إنّ أيّ فشل يصيب المؤسسات لا علاقة للرئاسة به، لأنّ النظام في لبنان ليس رئاسياً، أي إنّ مَن يمسك بالسلطة التنفيذية ليس رئيس الجمهورية، بل مجلسا الوزراء والنواب، خصوصاً بعدما انتزع «الطائف» كثيراً من صلاحيات الرئاسة. فكيف يمكن إذاً محاسبة الرئيس على فشل ليس مسؤولاً عنه؟

لقد وعَد عون، في خطاب القسَم، بقانون جديد للانتخاب قبل موعد الانتخابات المقبلة، بدلاً من قانون 1960. وهو لطالما طالب بانتخابات في موعدها وصوّت ضد التمديد، ولذلك، لا يمكنه القبول بافتتاح عهده بتمديد جديد للمجلس؟

ويجزم عدد من المتابعين أنّ الانتخابات ستجرى في موعدها. والرسائل التي ترد من مراجع دولية في هذا المجال واضحة. فالمطلوب اليوم استكمال الاستحقاقين اللذين مرّ بهما لبنان على التوالي، الانتخابات البلدية والرئاسية، بإنجاز الانتخابات النيابية.

التمديد الثالث للمجلس ممنوع. هذا مؤكد. ولكن، في أسوأ الحالات قد يجري تأخير الانتخابات تقنياً بضعة أشهر. ويراهن القريبون من الرئيس على أن تكون الانتخابات النيابية هي ثاني الاستحقاقات التي ينجح فيها العهد، بعد الحكومة التي يُفترض أن تولد قبل نهاية السنة الجارية، ليكون أمامها الوقت الكافي لإنجاز قانون العملية الانتخابية.

وفي تقدير المعنيين بملف الانتخابات، أنّ تشكيل الحكومة قريباً سيكون أوّل إشارة إيجابية إلى إمكان إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، أي قبل 20 حزيران المقبل. لكن ما يزيد من ضيق الوقت هو مصادفة حزيران مع شهر رمضان. ولذلك، سيكون إجبارياً إجراء الانتخابات في أيار، وإلّا فالتأجيل التقني.

ومن الوجهة التقنية، لم يعد الملف في حاجة إلى مزيد من الدرس والتمحيص. ففي المجلس النيابي أكثر من 14 مشروعاً واقتراحاً لقانون انتخاب جديد، وأُشبعت درساً في اللجان، ولكن، التوافق السياسي مفقود بسبب تضارب المصالح ورغبة كلّ طرف في الحصول على الحصة الأكبر.

المعنيون يقولون: مطلوب إنجاز القانون قبل منتصف شباط إذا كان يُراد فعلاً إجراء الانتخابات في أيار، لأنّ هناك مُهلاً للترشيح والحملات الانتخابية. وإذا كان القانون جديداً يتضمّن النسبية مثلاً، فستكون الحاجة أكثر إلحاحاً إلى التحضير مدة أطول. وبالتأكيد، هناك حاجة إلى أربعة أشهر من التحضير.

ولذلك، يؤكد المعنيون أنّ المجلس النيابي يدخل في دائرة الخطر للتمديد التقني في منتصف شباط. ويرجّح هؤلاء أن يكون التمديد- إذا حصل- مضبوطاً ضمن 3 أشهر، أي حتى أيلول، كما توقّع كثيرون ومنهم النائب وليد جنبلاط. فذلك يتيح انقضاء فصل الاصطياف.

في أيّ حال، ثمّة مَن يتفاءل بمجرّد حصول الانتخابات النيابية في هذا الصيف، سواءٌ في بدايته أو في نهايته. ويرى أنّ هذا الحدث سيخلق حركة سياسية واقتصادية ناشطة يفتقدها لبنان منذ انتخابات العام 2009، خصوصاً إذا ترافقت مع وصول موجات من المغتربين الذين قد يحضرون إلى لبنان للاقتراع، خصوصاً في ظلّ ازدهار ثلاث ماكينات كبرى:

1- ماكينة تيار «المستقبل» التي ستستفيد بقوة من عودة الرئيس سعد الحريري إلى السلطة، واستعادته المبادرة بقوة داخل «المستقبل» والقواعد السنّية عموماً، في موازاة الانفراج الواضح للعلاقات مع المملكة العربية السعودية وللأوضاع داخل مؤسسات «التيار» كافة.

2- ماكينة التوافق المسيحي بين عون و«القوات اللبنانية» التي تمّ تدشينها في الانتخابات البلدية، والتي ساهمت في تأمين إيصال رئيس الجمهورية. وهذه الماكينة ستستعين بقوى اغترابية مسيحية فاعلة لطالما أجبرتها الظروف على الابتعاد عن لبنان.

3- ماكينة التحالف الشيعي التي لن تعاني أيّ مشكلة في اكتساحها المقاعد الشيعية، أيّاً كان قانون الانتخاب المعتمد. والرهان الذي تخوضه هذه الماكينة يكمن في مدى توسيع «النفوذ» داخل المجلس المقبل، ما يبقيه «في الأحضان».

ويمكن أن تُضاف ماكينة قوية، إذا أُتيح لها التحرّك، هي ماكينة هيئات المجتمع المدني التي خاضت تجربة مشجّعة لها في الانتخابات البلدية، وكادت تحقّق انتصارات في العاصمة وسواها، وهي تستعدّ لخوض المعركة النيابية، آملة في تكرار تجربتها مع الانتخابات البلدية.

لكن أيّ فرصة لهذه الهيئات ستكون مرتبطة بطبيعة قانون الانتخابات العتيد. وربما دفعت تجربة الانتخابات البلدية بالطبقة السياسية إلى ألّا تكون راغبة في إجراء الانتخابات النيابية، وخصوصاً لجهة اعتماد النسبية.

ففي ظلّ انتخابات نسبية، كانت هيئات لمجتمع المدني ستفوز بعدد من المقاعد في الانتخابات البلدية، وعلى الأقل كانت ستشارك خصومها المجالس البلدية الفائزة. ويخشى القائمون بالحراك المدني أن يجري تطويقهم بالقانون الحالي أو أيّ قانون آخر، فلا يبقى أمامهم أيّ أمل في إحداث خروق خلال الانتخابات النيابية المقبلة.

إذا جرت الانتخابات النيابية في موعدها، أو ضمن تمديد تقني قصير، فستكون هناك مراهنة على انتعاش غير مسبوق، منذ 8 سنوات. وسيواكبه تدفق للسياح العرب والأجانب الذين سيجذبهم لبنان مجدداً بسبب استعادته استقراره السياسي والأمني والاقتصادي. فهل يُتاح للبنان أن يقطف ثمار استقرار طال انتظاره؟ أم هناك حسابات أخرى غير منظورة؟