تنعقد في بكركي اليوم قمة روحية مسيحية للتشاور بالأوضاع اللبنانية ولتذكير من شاخت ذاكرتهم برأس هرم السلطة الغائب، وعنوان ميثاقيتها رئيس الجمهورية.
وربّ سائل، أليس أجدى وأجدر، ان تخرج هذه القمة النصفية، من نطاقها المسيحي الضيّق، الى رحاب الوطنية الواسعة من خلال المشاركة الاسلامية، لتكتمل صورة لبنان الأنموذج والمحتذى، والتي هي عنوان رسالته ومبرّر وجوده؟
طبعاً كان ذلك أجدى وأجدر، لولا ان واقع الحال الضاغط، يفرض على اللبنانيين أدبياته ومفاهيمه الكاسرة لكل اجماع أو مشترك، والمانعة لكل أقنوم أو مبدأ، لا شك كان الأمل لدى من يعقدون الآمال على اللقاءات الروحية، رغم صوريتها اللاعملانية، ان يجلس البطريرك وسط المفتي ونائب رئيس المجلس الشيعي وشيخ العقل، بمناسبة عيد البشارة، الذي تحوّل من مسيحي الى وطني بطبيعة رسمية، والذي يجتمع المجتمعون في بكركي اليوم على نيّته، واحتفاء بمعناه، لكن في واقع الحال، ثبت ان ذلك من المحال.
ودائماً المشكلة في السياسة وليست في الدين أو المذهب، لقد انعقدت قمة روحية مشتركة في بكركي يوم ٣٠ آذار ٢٠١٥ وقررت مأسسة القمة الروحية، أي جعلها مؤسسة، تعقد جلسات دورية فصلية، لكن مضى عام كامل ولم تجتمع انما استعيض عنها بقمة اسلامية روحية في دار الفتوى يوم ٢ حزيران ٢٠١٥، تلتها قمة روحية مسيحية في الأول من أيلول ٢٠١٥، وكانت العلّة سياسية ومسرحها البيان الختامي الذي أصرّ بعض المشاركين على الاشارة الى النأي بالنفس، بينما تمسّك البعض الآخر بثلاثية الشعب والجيش والمقاومة.
واليوم، كان يفترض ان تكون قمة عيد البشارة، مشتركة بين أركان الطوائف كافة، لكن المنظمين اصطدموا بالبيان الختامي وباشتراط ادراج بند يؤكد على أن المقاومة ليست ارهاباً، بخلاف ما يقول العرب!
هنا تكمن القطبة المخفيّة في انقسام القمة الروحية، وهذه القطبة العصيّة، ستحول دوماً دون تلاقي اللبنانيين سياسيين ورجال دين، طالما ان من يملك القوة على الأرض ما زال بعيداً عن التفاهم مع من يملك قوة الحلّ، رغم كل محاولات التقارب والتقريب بالحوار الثنائي تارة، والجماعي تارة أخرى، وبالتالي لا صاحب قوة السلاح بقادر على فرض الحلّ، ولا مالك قوة الحلّ باستطاعته الوصول بمعزل عن التفاهم مع صاحب القوة. وهذا ما يجعل الرهان على التسويات الاقليمية، المرتبطة بالخارج، خياراً مفروضاً على اللبنانيين، المحكومين بالتنقل من تحت دلف هذه الوصاية، الى تحت مزراب تلك، مسلمين قيادتهم الى عبدة سلطة ونزوات ومصالح، لا يترددون في الاستعانة على قضاء حوائجهم السياسية، بالمذهب والدين، وحتى بالطروحات الخرافية…
هذه الخيبة المستدامة منذ سنتين، لاح ما قد يعوّضها من اهتمام دولي مستجد بلبنان وبجيش لبنان، المعوّل عليه الأخير في حماية عقد الدولة من الانفراط، وشحنها بجرعات من امل العودة والصيرورة، مهما طال الغياب…
وفي طليعة الاهتمام المعوّل عليه، زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، المعرضة للإرجاء، لاعتبارات، يحاول البعض القول إنها لبنانية، ومتصلة بعدم وجود رئيس للجمهورية، بينما قد تكون الحقيقة مرتبطة بموازين المصالح الدولية الأوسع، وبالهامش والدور المسموح من الشريكين الدوليين اوباما وبوتين، لرئيس فرنسا المتمسك بأولوية لبنان، على جدول أعمال الدولة الفرنسية.
والرهان على قدرة الرئيس الفرنسي في جولته الشرق أوسطية، وضمنها لبنان على اقناع من لم يعقل من اللبنانيين أن يعقل، وأن يتوكل من لم يتوكل، فيذهب الى مجلس النواب، ويطلق سراح الرئاسة الأسيرة، ويعيد للدولة رونقها وعدم التلهي عن اللب الدستوري بالقشريات الميثاقية…