بين يوم وآخر ترتفع أسهم هذا الاسم أو ذاك لتولي رئاسة الحكومة العتيدة، لكن كفة قبول الرئيس المستقيل سعد الحريري التكليف عادت لتتقدّم على ما عداها، مع رفضه تجيير المهمة لشخصية بديلة حتى ولو جاء تكليفها بناء على اقتراحه. ويبدو واضحاً للأطراف المشاركة في مفاوضات التكليف أن الحريري يريد حكومة بشروطه، ولهذا السبب يستمر في المناورة قبل النطق بالقبول.
حين تحدّث رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في مقابلته المتلفزة الأخيرة عن تردّد الحريري في قبول التكليف، “زعل” الأخير و”عصّب”. في حين استغرب الفريق المفاوض قول الحريري إن أحداً لم يتحدث معي بشأن التكليف، إذ تؤكد مصادر هذا الفريق أن المفاوضات مع الحريري تجاوزت التكليف إلى البحث في أسماء الوزراء في الحكومة العتيدة، والتي على الأرجح لن تكون شخصيات حزبية بالمباشر. لكن وعلى رغم ذلك يتريث الحريري في نطق الكلمة وإعلان موافقته على الملأ، وهناك من يوحي بأن هناك ضغوطاً خارجية يتعرض لها، بينما آخر يضعها في إطار التخوّف من العبء المالي والمسؤولية التي ستلقى على عاتقه.
ورغم كون التأخير لا يصب في مصلحة البلد وأزمته المالية والاقتصادية، إلا أن “الوطني الحر” يتجنب افتعال مشكلة مع الحريري. هو كـ”حزب الله” و”أمل” يمنحه الوقت الكافي للرد، طالما أنه ليس في التأخير حرج دستوري، والمقصود منه إفساح المجال أمام مزيد من المشاورات. فالرئيس عون يصرّ على عدم التكليف قبل توافر الحد الأدنى من التوافق بين القوى السياسية ولو على عناوين رئيسية للحكومة المقبلة، ليست المسألة انعدام ثقة بقدر ما هي خوف حقيقي من العجز عن التشكيل في حال لم يتم التمهيد للرئيس المكلف. المقصود تجنّب تكرار حالات مماثلة استلزم فيها تشكيل الحكومات أشهراً وليس أسابيع، من حكومة الرئيس تمام سلام إلى حكومة اللون الواحد مع الرئيس نجيب ميقاتي.
“التيار الوطني الحر” يعتبر أنه عمل “ما يجب عمله من حيث الاستجابة لمطالب الناس”، وأبلغ الحريري أن لا مانع من حكومة تكنوقراط لا يكون ممثلاً فيها. المؤكد أن ليس هناك “عرقلة من قبلنا، ونحن مستعجلون على تشكيل الحكومة، ولذا قدمنا التسهيلات اللازمة، وأعلنا اننا لا نريد التمثل بمحازبين، ولكن شرط أن يتم اختيار الوزراء بالتنسيق معنا”. إذاً، لا يرفض “الوطني الحر” حكومة التكنوقراط وفق ما تؤكد مصادره، شرط أن تنال ثقة البرلمان المؤلف من مجموعة كتل نيابية تمثل الأحزاب والجهات السياسية في لبنان. وهذا ما أبلغه رئيس “التيار” جبران باسيل إلى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، حيث وضعه في أجواء المسار المتصل بتشكيل الحكومة. وبحسب باسيل، وأكثر من طرف، فإن أجواء التكليف ايجابية “ألّلهم إلا إذا عاد الحريري عن موقفه مجدداً”.
يوم استقال الحريري تمكّن “حزب الله” وحلفاؤه من استيعاب الخطوة وتطويق التداعيات بعد نجاحهم بتأخير إعلانها. كان القرار بالتريث في الدعوة إلى الاستشارات النيابية الملزمة كي يتم الاتفاق على العناوين الأساسية للحكومة المقبلة. خلال المشاورات الأولية أظهر الحريري تصلباً في المواقف مستفيداً من وتيرة الحراك في الساحات لرفع سقف مطالبه قبل أن يعود إلى مرونته.
في أساس خطوة الاستقالة لا يزال الأمر مثار بحث حول الأسباب أو الجهة التي دفعت الحريري إليها، والتي تحول دون قبوله ترؤس الحكومة اليوم إلا ضمن شروط معينة. يوجد في صفوف الثامن من آذار من يربط إصرار الحريري على رفضه التكليف بوجود ضغط أميركي، ذاهباً إلى حد القول إن المفاوضات بشأن الحكومة تجرى مع الجانب الأميركي من خلال الحريري، وإن “حزب الله” يرفض منح الأميركي أي مكتسبات ولو استمرت الحال على ما هي عليه سواء في الشارع أو الحكومة. الهدف أميركياً هو إخراج “حزب الله” من الحكومة، وإعداد بيان وزاري في ما بعد له طابع اقتصادي واجتماعي من دون التطرّق إلى مسألة المقاومة.
هي معركة عضّ أصابع مع الأميركي الذي ينقسم الرأي بشأن موقفه بين من يقول إنه لا يريد انهيار الوضع في لبنان، وآخر يدعم نظرية الفوضى المطلوبة أميركياً من باب الأزمة المالية والاقتصادية. علماً أن الأميركيين لم يدخلوا بثقلهم بعد على موضوع الحراك اللبناني والأزمة الراهنة، بدليل عدم تحرّك مسؤول ملف الشرق الأدنى دايفد شينكر وغياب الموضوع اللبناني عن خطابات الرئيس دونالد ترامب. وهذا ما تربطه مصادر مطلعة بغياب لوبي مؤثر في هذا الموضوع. إذ إنّ التواصل اللبناني يقتصر على أفراد وليس جماعات كما كانت الحال عليه سابقاً.
يحسم مصدر في الثامن من آذار الموضوع قائلاً إن سعد الحريري سيكون رئيساً للحكومة. ستتم تسميته في المشاورات التي سيدعو إليها الرئيس عما قريب وإذا اعتذر سيعاد تكليفه. ثمة تقاطع مصالح خارجي داخلي على ترؤسه الحكومة بالأصالة وليس بالوكالة.
في وقت أكدت معلومات موثوقة أن رئيس الجمهورية سيعلن عن موعد الاستشارات على الأرجح الأربعاء أو الخميس المقبلين، وإن تعثر الاتفاق، سيُصدر بياناً بإرجائها إلى موعد آخر.