لعلّ الصوت الأكثر تعبيراً هذه الأيام عن مكنون صنّاع القرار في إسرائيل، وتحديداً رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، هو من كان سابقاً رئيس الساحة الجنوبية في جهاز «الشاباك»، وبعد ذلك مستشاراً للأمن القومي الإسرائيلي، ثم رئيساً لهيئة «الأمن القومي» ذاتها، والذي يشغل اليوم رئاسة معهد «مسغاف للاستراتيجية الصهيونية» ومقرّه القدس. الرجل المذكور هو مئير بن شبات، الذي قاد قطارات التطبيع مع أكثر من دولة عربية في المنطقة، فيما المعهد الذي يديره، كان باحثوه جزءاً من المسؤولين عن صياغة خطط تهجير غزة، والتنظير لحرب الإبادة المستمرة منذ نحو عام، وهم اليوم، يعكفون على صياغة خطط «تغيير المنطقة».وفي مقالة لبن شابات، نُشرت في صحيفة «مكور ريشون» الصهيونية – الدينية، يشرح الأخير طبيعة إسرائيل الحقيقية، بالاستناد إلى خطاب الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، والذي قال فيه إن «العالم شهد خلال العام الماضي الطبيعة الحقيقية للنظام الإسرائيلي»، والتي هي طبيعة إجرامية إبادية معلنة. وكما يرى بن شبات، فإنه خلافاً للإيرانيين، «أخطأ (الشهيد السيّد، حسن) نصر الله الذي طالما تباهى بمعرفة إسرائيل كأنها كتاب مفتوح»، و«كان ضحية نظرية خيوط العنكبوت التي صاغها عقب انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان، والخطوات التي سبقت ذلك»؛ إذ لم يأخذ حزب الله في الحسبان التأثير العميق لهجوم السابع من أكتوبر في الجمهور الإسرائيلي وقادته، وتداعياته على التفكير والسلوك الإسرائيليين.
وخلال سنة من الحرب، «دُحضت التقديرات بشأن عدم قدرة إسرائيل على خوض حرب طويلة في ساحة واحدة»؛ كما دُحض التقدير بأنها «ستضطرّ إلى التساهل في أهدافها في ظل ثمن الحرب، والضغوط الكبيرة من الداخل والخارج بشأن المخاطر التي تجرّها على نفسها بأعمالها»، وفقاً لبن شابات. ويرى الأخير، الذي كان له دور محوري في «اتفاقيات أبراهام»، أن ما يحصل اليوم يُشكل فرصة «للقوى اللبنانية لكي تتحرر من الظل الثقيل لحزب الله»، ومثلهم «زعماء الدول السنيّة التي لديها كذلك فرصة لوضع خط أحمر للوجود الإيراني على أراضيها وحدودها». بمعنى آخر، فإن أمام إسرائيل فرصة لإحداث حروب أهلية إضافية في العالم العربي، وزعزعة الأنظمة من الداخل. أمّا بالنسبة إلى أولئك الذين شككوا في رصيد تل أبيب بالنسبة إلى واشنطن، فقد بددت الأيام الأخيرة شكوكهم؛ حيث ظهرت أمامهم إسرائيل بوصفها «رأس حربة مواجهة قوى الشر في إيران». وبخصوص نتائج الحرب الحالية، والتي لم تتضح بعد ولا يزال أمامها وقت طويل لتنجلي، «فستؤثر بطبيعة الحال في موقف عددٍ من الدول، في مقدّمها روسيا والصين والسعودية وغيرها».
يعتقد بن شابات أنه لا يمكن لـ«الانتصار الساحق» أن يُنجز من دون دخول إسرائيل في مواجهة مباشرة مع إيران
مع ذلك، وعلى الرغم من الضربات الشديدة التي وجّهت إلى المقاومة، في كل من غزة ولبنان، فإن بن شابات لا يعدّ هذا «حاسماً»؛ إذ «لا تزال القدرة على التعافي، والوقوف مجدداً، والاستمرار في العمليات، قائمة». وبحسبه؛ فإن «النصر» مهمة معقدة وطويلة، حيث ينبغي أن «يُستعاد فيها المختطفون، وتُعلن خسارة إيران». وفي نظرته إلى الأمام، يحدد خريطة الأهداف والتحديات في السنة العبرية الجديدة التي تنتظر إسرائيل، آملاً بأن الضغط الدولي الكبير أمنياً واقتصادياً الذي تعانيه إيران سيزعزع نظامها، وصولاً إلى دفعها إلى الانسحاب من المشروع النووي، وفك حلقة النار التي أحاطت بها إسرائيل، ووقف تسليح حركات المقاومة.
كما يعتقد بن شابات أن على إسرائيل بناء ائتلاف إقليمي وعقد اتفاقيات تطبيع جديدة، تقودها الولايات المتحدة وترعاها، غير أن الشرط لتحقيق ذلك، كما يحدده، هو أن تحقق إسرائيل «انتصاراً واضحاً في هذه الحرب». وإذ لا يمكن لـ«الانتصار الساحق» أن يُنجز من دون دخول إسرائيل في مواجهة مباشرة مع إيران، فإن «سيناريو حرب إقليمية شاملة ليس جزءاً من أهداف الحرب، ولذلك، يتخبط صناع القرار في إسرائيل بشأن أهداف الضربة المتوقعة لإيران»، وخصوصاً أن «واشنطن غير معنية بتوجيه ضربة إلى منشآت نفطية أو نووية»، وفق المحلل العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، يوسي يهوشواع. ومع ذلك، يشير يهوشواع إلى أن «الجهات الاستخباراتية في إسرائيل ترصد فرصاً لقلب قواعد اللعبة في الشرق الأوسط، في ضوء نتائج ما خلّفته الضربات الموجهة إلى حزب الله»، وهي قواعد تتعلق «بالدول السنّية التي باتت تظن أن بالإمكان استغلال ذلك لفصل سوريا عن حضن إيران».