لوقت طويل، سيبقى حدث «طوفان الأقصى» في 7 ت1، كعملية عسكرية للمقاومة الفلسطينية، نفذتها كتائب الأقصى (حركة حماس) مدار تحليل وتقييم ونقد، كواحد من الأحداث التاريخية الكبرى، ليس في العقدين الماضيين من القرن الحالي، بل منذ ستينيات القرن العشرين (الماضي) عندما انطلقت حركة المقاومة الفلسطينية، في أول عملياتها العسكري في 1/1/1965م، إيذاناً ببدء الكفاح المسلح الفلسطيني، لطرد الاحتلال وتحرير فلسطين..
وبصرف النظر عن تحليلات وتقييمات مسؤولين أمنيين وعسكريين سابقين أو لاحقيين أميركيين أو إسرائيليين أو عرب، أو لأي جنسية انتموا، لجهة الفوز أو الانتصار، أو تسجيل النقاط، فإنه استناداً إلى وقائع التاريخ، فالأمور تقاس، بنتائجها أولاً وبامتداد نتائجها ثانياً، وبالوقائع الجديدة، التي ستكرسها على سطح الأحداث المقبلة..
من هذه الوجهة، وبصرف النظر عن حجم الدمار الهائل، والخسائر الفادحة التي أصابت قطاع غزة، والمؤسسات التي بنتها حركة «حماس» منذ أن قيّض لها أن تضع يدها على مقدرات السلطة، بعد انتخابات تشريعية حملتها إلى سدة المسؤولية، أولاً، على مستوى الشراكة مع أم الحركات المسلحة «فتح» إلى سائر حركات المقاومة، ثم الانفراد بإقامة سلطة خاصة بها، وتحويل غزة إلى «هانوي»، والتحضير لجولات وجولات من الحروب، من المرجح أن تكون عملية الأقصى، واحدة من أكبر محطاتها.. بصرف النظر عن كل ذلك، فإن حركة «حماس» خرجت، بنظر الجمهور الفلسطيني، الذي تعرَّض لأبشع أنواع القهر في الأيام الـ48 ساعة الماضية، التي سبقت هدنة «تبادل الأسرى والأسرى خلال الحرب، عند حركتي «حماس» و«الجهاد الاسلامي»، هي حركة تحظى بالثقة والدعم والالتفاف، وهذا الصعود الشعبي، غير المقتصر على الشارع الفلسطيني، ان دلَّ على شيء، فرص يدل على تنامي الوعي الفلسطيني، وتمحوره حول الهدف الحقيقي للعمل المسلح، الذي تقوم به حركات المقاومة، لا سيما في غزة وغلافها والضفة الغربية، والقدس، وسائر أرض الفلسطينيين، المحررة أو الواقعة تحت الاحتلال..
ويشكل هذا الالتفاف الفلسطيني، أكبر ضربة من شأنها أن تسقط، المشاريع المطروحة لاسقاط القضية الفلسطينية، وربط مناطق السلطة بعجلة دولة الاحتلال..
فرضت «حماس» أجندتها على أرض التفاوض، وشكلت الاستعادة للأسرى والأسيرات أكبر الضربات في رأس حكام الكيان المحتل، وأكبر فرحة أمل لدى الأسيرات المحررات، واللواتي لازلن وراء قضبان سجون الاحتلال منذ سنوات.
ليست حركة المقاومة، تسبح خارج بحرها البشري، ولا هي حركات «إرهاب» أو مشاكل، على غرار ما هو سائر لدى وكالات الاستخبارات الدولية أو المؤسسات المالية الواضعة يدها على مقدرات الثروات الهائلة، على هذه الأرض، عبر الكارتيلات والاحتكارات والمصارف والمنظمات المالية، من البنك الدولي إلى صندوق النقد، إلى منظمة التجارة العالمية، وسواها..
ولا شك أن الشعارات التي رفعت في تظاهرات استقبال الأسيرات المحررات، والأطفال المسجونين، تعبّر، إن عبَّرت، على تنامي الوعي، بأن لا خيارات بوجه الاحتلال، المدعوم من ترسانات الأسلحة المتطورة لدى الولايات المتحدة الأميركية، وغيرها من الدول الضالعة في المخططات المشبوهة ضد العرب خاصة، والمسلمين عموماً.
ومن يملك المعطيات الحقة، والتي تعكس صدق الواقع، أن يكشف كيف تمكن المقاتلون الفلسطينيون، من إدارة الحرب، وإدارة الصمود، وإدارة التفاوض على أرض هم أسيادها، لكن الاحتلال حوَّل شوارعها ومدارسها ومستشفياتها وأبراجها إلى أطلال، حتى أن العائدين لتفقد منازلهم، قالوا بالعبارة الواضحة، أن لا إمكانية للسكن في منازل كانت قبل العدوان منازل.
يغرق قادة الاحتلال في صدمة ما حدث، وتتفاقم الأزمات لديهم، كما مرَّ وقت على جلاء خفايا الأمور، المتعلق بالحرب، والقرارات، والاخفاقات، ومكاسب «حماس» وغيرها من فصائل المقاومة الفلسطينية، التي أثبتت مقاتلوها أنهم رجال في «ساحات الوغى»..
وأثبتت وقائع الحرب، أن حركات المقاومة ليست «لقمة سائغة» على الرغم من البوارج الحربية، وحاملات الطائرات الأميركية، من ايزنهاور وغيرها من البوارج الانكليزية وسواها..
ولعلَّ وقفة المساندة لجبهة غزة، من جبهة الجنوب، خير شاهد على حقائق العالم المتغيّر حول الشرق الأوسط..
وخارج حسابات الخسائر البشرية التي قدمها حزب الله، من دماء رجاله وشهدائه، فإن لبنان، الذي ما يزال يرزح تحت وطأة الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية، في ضوء تفاقم أزمات اللجوء والنزوح، أثبت أنه جزء من معادلة المتغيرات الحاصلة والمقبلة.. في ضوء خطوات ما بعد تحويل «الهدنة الإنسانية» إلى وقف للحرب او وقف للنار، والشروع بإعادة الاعمار لغزة والقطاع. وسائر المؤسسات والمنازل الفلسطينية.. أو أي مجرى آخر، يسلكه الوضع، بدءاً من نهايات هذا العام إلى امتداد الأعوام المقبلة.