Site icon IMLebanon

الشرق الأوسط.. و«ترويكا» التهور

ما يجمع بين الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب والرئيس التركي رجب طيب اردوغان ورئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو أكثر ممّا يفرق، بمعزل عن الجغرافيا والتاريخ والانتماء الديني.

أميركا دولة عظمى وتركيا اردوغان مشروع دولة عظمى في المحيط الإقليمي، وإسرائيل الكبرى مشروع أطلقته الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر ولم يُستكمَل. اعتبارات موازين القوى التقليدية في العلاقات بين الدول لا حساب لها في سلوك أصحاب الأوهام والأحلام. وعندما تصبح الجغرافيا أداة للتوسع وهاجسا يتحكم بقادة الدول، فاحتمالات الصدام مع الآخرين تصبح ممكنة.

اردوغان يعلن أنه سجين 780.000 كلم²، مميزا بين حدود تركيا الجغرافية وحدودها «العاطفية»، ونتنياهو، حامل إرث جابوتنسكي وبيغن وشارون، هو سجين إسرائيل الصغرى، وترامب سجين الـestablishment الأميركي، أي السياسات التقليدية التي اتبعها أسلافه من الحزبين الجمهوري والديموقراطي.

قبل سنوات، شعر صدام حسين بأنه: «سجين بلاد ما بين النهرين»، فكانت حربه الأولى ضد الفرس والثانية ضد العرب. ومنذ عقود شن هتلر حروبه ردا على الإجراءات المتشددة التي فرضها الحلفاء على ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، وإمبراطوريات الماضي توسعت لأنها كانت الأقوى بنظر قادتها.

لا يمكن الحكم على الرئيس المنتخب ترامب قبل أن يحكم ويتخذ قرارات قابلة للتنفيذ لا سيما في السياسة الخارجية. إلا أن أداءه الانتخابي يوحي بأنه قد يكون في مواجهة مع كُثر، داخل البلاد وخارجها. من جانبه، اردوغان سائر باتجاه إلغاء المعارضة أو أي صوت ناقد في الداخل، بعدما أعلن الحرب على الأكراد، أينما حلوا. أما نتنياهو فلا رادع له «لتحرير» إسرائيل من «الاحتلال الفلسطيني»، داخل إسرائيل وخارجها. فالوجود الفلسطيني على «أرض إسرائيل»، في عرف نتنياهو واليمين المتطرف، مسألة عابرة في التاريخ لا بد من أن تنتهي!

تركيا اردوغان تشعر أنها منبوذة أوروبيا ومغبونة عربيا وإسلاميا منذ سقوط السلطنة العثمانية، وهي الآن منزعجة من الحليف الأميركي المتهم بدعم محاولة الانقلاب الأخيرة. في فلسطين، إسرائيل تعاني من الاضطهاد ومن حالة «التوحد» الدائم، إذ لا شريك ديموقراطياً لها في المنطقة، بينما أميركا ترامب ضحية الهجرة غير الشرعية من المكسيك والاتفاقات الدولية المجحفة في التجارة الدولية والبيئة وسواها. إنها «معاناة» القوي لأن الضعيف ليس ضعيفا بما فيه الكفاية أو مهزوما بالكامل.

حقبة جديدة تطلّ، أركانها «ترويكا» التهور والاستبداد الناعم والخشن. لعبة المتهور ساحتها حافة الهاوية، ويزداد خطرها في حال تقاطعت مصالح أطراف «الترويكا»، وفي الشرق الأوسط تحديدا. ففي حال التقت مصالح أميركا وإسرائيل على إلغاء أو تعطيل «اتفاق فيينا» النووي بين إيران والولايات المتحدة، ذلك أن الاتفاق يُلزم أيضا الدول الأعضاء في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا، ستكون المنطقة أمام تحديات غير مسبوقة. فأي صدام عسكري بين إسرائيل وإيران، مبررا كان أم مدعوما من الولايات المتحدة، سيشعل نزاعات إقليمية لا تنتهي ويؤجج الصراعات المذهبية ويزعزع ركائز الاقتصاد العالمي، خصوصا في ما يخص قطاعَي النفط والغاز.

هذا السيناريو الافتراضي لا يستدعي أي تدخل عسكري أميركي، مثلما حصل في العراق. الاعتداء الإسرائيلي يفي بالغرض، فتردّ عليه إيران وتشتعل الجبهات. وهو السيناريو الأنسب لإسرائيل، ويقضي على ما تبقّى من النظام الإقليمي العربي. وقد يفتح شهية الرئيس التركي لاستعادة حدود البلاد «العاطفية»، مع احتمال انطلاقة جديدة للتطرف الديني المسعور. إنها الحالة الأسوأ لتحالف المتهورين. فلا صراع حضارات وأديان هنا، بل قرارات عشوائية تكفي لفتح أبواب الجحيم.

في ظل مناخات التطرف وطموحات المتهورين، يصعب تفادي الأسوأ… على أمل أن يكون لصبر «سجناء» الجغرافيا والتاريخ «المظلومين» حدود.