Site icon IMLebanon

الشرق الأوسط بين وحشية «داعش» وطموحات إيران

 

انهيار الليرة السورية، بداية. اليوم 23 ليرة والقادم أعظم. عندما تتدحرج كرة الثلج، كل شيء يتغيّر. اللبنانيون عاشوا هذه التجربة. الفرق بين التجربتين، هائل. دول كثيرة وضعت خطاً أحمر، وعملت على وقف الانهيار. في الحالة السورية العكس، لأن في ذلك بداية لانهيار الأسد والقوى «المافياوية« المحيطة به. 

أما الحلف الروسي الإيراني فإنه يدعم الليرة استمراراً منهما لدعم الأسد، لكن قواهما الاقتصادية بدأت تخور، وشعوبهما أحق بالمال المورّد الى نظام لم يهزم بعد، لكنه بالتأكيد لن ينتصر. مجرّد انعدام فرصة للانتصار يدفع طهران وموسكو للتفكير مرتين قبل توفير الأموال وضخها له. لأن السؤال يصبح، الى متى؟ إيران وروسيا اللتان تعيشان أزمة مالية حقيقية، تراجعان أي مطلب أسدي مرات ومرات قبل أن تقررا مساعدته بعد مطالبته بضمانات سيادية للقروض الملحّة.

لا يعني هذا أن موسكو وطهران ستتخلّيان عن الأسد، في القريب العاجل. من الطبيعي والضروري والملح، أن تعمل كل عاصمة على فصل خسارتها في هزيمة الأسد عن المحافظة على مصالحها وخصوصاً استثماراتها، وهذا ممكن بما أن الخسارة لن تكون بالضربة القاضية. أمام طهران وموسكو مسيرة طويلة من المفاوضات الصعبة جداً والدقيقة. في المفاوضات بالنار لا يوجد ممنوع.

موسكو، مهتمة بسوريا، لكن أوكرانيا ومنطقة البلطيق إجمالاً أهم بالنسبة لها بكثير، لأن البلطيق حاجة استراتيجية لها وأفقاً مفتوحاً على المستقبل لعودة الامبراطورية الروسية رويداً رويداً. أما سوريا فإن حصول موسكو على ضمانات كافية لاستمرار ميناء اللاذقية «قاعدة» لأسطولها، وشاطئاً دافئاً تطل منه على كامل البحر المتوسط، يدفعها لتقديم تنازلات معيّنة، فالأسد حاجة ينتهي مع انتهاء الحاجة له وليس هدفاً.

أما طهران، فقد استثمرت كثيراً، ما يتكشف يومياً عن حجم الاستثمارات وتوزعها يجعل تخليها عن الأسد صعباً وليس مستحيلاً. المرشد آية الله علي خامنئي، عزز حزب الله في لبنان، لكن هدفه الحقيقي كان في التمدد داخل سوريا. توثيق هذا التمدد صعب الآن، لكن مؤشراته قوية وخطيرة. وراء دخان الدعم المالي والعسكري للأسد، مشروع استراتيجي خطير.

استثمرت طهران عقارات وفنادق في دمشق خصوصاً في منطقة السيدة زينب، وساهمت مع الأسد في خطة لتنفيذ تغيير ديموغرافي واسع في حمص، فأحرقت سجلات النفوس والسجلات العقارية منها تسهيلاً لإنجاز هذا التغيير، إضافة الى القصَيْر ومحيطها التي نسفت منازلها بعد تهجير سكانها. كل هذه الاستثمارات ليست اقتصادية ولا تجارية، انها جزء من خطة استراتيجية واسعة وضخمة.

كيف سترضى إيران بهزيمة الأسد، قبل أن تأخذ ضمانات كافية للحصول على مردود هذا الاستثمار الاستراتيجي؟ سؤال حقيقي، الجواب عنه في طبيعة رسم الحدود القادمة في المنطقة من جهة، وتحديد طبيعة ومواقع القوى فيها.

«داعش» لا يخيف إيران كثيراً. لقد سبق وأن رسمت حدودها الأمنية بعمق 40 كلم داخل العراق، ولم يعترض أحد خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية. «داعش» تثير قلق لبنان واللبنانيين، لكن العدو والخصم الكبير «لداعش» بكل مسمياته «المثلث السني» الذي يضم: مصر والسعودية وتركيا. طالما أن هذه «الترويكا» متنافسة ومتحاربة، الخسارة واقعة لأنها واقعة بين توحّش «داعش» وطموحات إيران. المشكلة والعقدة الكبرى، في «الإخوان المسلمين».

لا شك أن «الإخوان»، قد أذوا مصر وهم يتابعون إلحاق الأذى بها، وفرّقوا بين تركيا والسعودية، فتعمّق الخلاف. الواقعة التي لا يمكن الهرب منها أنه لا يمكن لأحد أن يلغي أحداً، ولا أن يهيمن أحد على أحد. مجرد القناعة بهذا الواقع يفتح الباب نحو الحوار وإقامة الواقع ضمن الحد الأدنى لمواجهة هذين الخطرين الوحشيين المتمثلين في «داعش»، الذي لا حقوق له للتفاهم معه، بينما إيران لها حقوقها وطموحاتها. المطلوب وضع أحجار لترسيم الحدود، وهذا يتم متى وجد في مواجهته قوة وليس قوى متناحرة ومتنافسة. أما «الإخوان المسلمون»، فقد حان الوقت ليضعوا لأنفسهم استراتيجية جديدة ونهجاً يأخذان في الاعتبار فشلهم التاريخي خصوصاً في مرحلة «الربيع العربي« الذي ساهموا في تحويله الى «خريف» طويل. تركيا تستطيع أن تلعب دوراً في ذلك، خصوصاً إذا أثبت الطيب رجب أردوغان، أن «للعثمانية الجديدة« حدوداً.

محرك عجلة التغيير لم يعد على الفحم كما في الماضي. كل شيء يتم بسرعة الصوت. الآن يقدم تحالف للأقوياء الضعفاء نتيجة لفرقتهم، وتتغير الحسابات وعمليات رسم الحدود الجديدة، أو لا يبقى شيء سوى الندم.