Site icon IMLebanon

تعثُّر تسوية الميدل إيست: عون يريد الرؤية قبل الإدارة

ما أُشيع عن تسوية سياسية منجزة لإعادة تكوين مجلس إدارة شركة طيران الشرق الأوسط لم يكن دقيقاً. إذ تبيّن أن مصرف لبنان لن يؤمّن نصاب الجمعية العمومية التي كانت مقرّرة اليوم لانتخاب إدارة جديدة محل الإدارة المنتهية ولايتها نهاية 2012. وما طرأ، اعتراض رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وفريقه على وجود تسوية تقضي بحصول التيار على حصّة في مجلس الإدارة من دون التفاهم على رؤية شاملة للشركة، ما أجّل الجمعية العمومية إلى وقت يحدّد لاحقاً

كان يفترض أن تعقد اليوم الجمعية العمومية لشركة طيران الشرق الأوسط جلسة بجدول أعمال يتضمن الموافقة على حسابات الشركة وإبراء ذمّة مجلس الإدارة المنتهية ولايته منذ نهاية 2012 وانتخاب مجلس إدارة جديد يتألف من رئيس وخمسة أعضاء.

لكن الساعات الماضية كشفت أن التسوية لم تنضج، برغم أن التسريبات تحدثت عن تسوية تقضي بإعادة انتخاب محمد الحوت رئيساً لمجلس الإدارة ــ المدير العام للشركة، وإعادة انتخاب فؤاد فواز ومروان صالحة في عضوية مجلس الإدارة، بالإضافة إلى ثلاثة أعضاء مسيحيين.

وكانت إدارة الميدل إيست قد دعت المساهمين إلى عقد جمعية عمومية صباح اليوم، وجرى التمهيد لها عبر إعلان مؤشرات مالية عن أوضاعها وإجراء مقارنة بين نتائج 1997 ونتائج 2016. وبحسب هذه المؤشرات، فإن ميدل إيست حقّقت أرباحاً صافية بقيمة 94 مليون دولار في 2016، مقارنة بأرباح بقيمة 98.5 مليون دولار في السنة السابقة، علماً بأن الأرباح المجمّعة خلال السنوات الخمس الماضية تزيد على 400 مليون دولار. هامش ربح الميدل إيست يبلغ 14%، فيما ارتفع رأس مالها من 183 مليون دولار في 1997 إلى 365 مليون دولار في 2016، ولديها أرباح مدوّرة بقيمة 228 مليون دولار. وقد تمكنت الشركة من زيادة أصولها من خلال توسيع أسطول الطائرات وإنشاء مبانٍ وتملُّك أراضٍ لتصبح قيمة الأسطول والأملاك 736 مليون دولار في 2016 مقارنة بـ 119 مليوناً في 1997.

وعلى مدى السنوات الماضية دار سجال واسع حول إدارة هذه الشركة بعد شراء مصرف لبنان 92% من أسهمها بهدف إنقاذها من الخسائر التي كانت تتراكم في ميزانيتها بسبب الحشو السياسي في هيكلها وتردّي بنيتها الأساسية، في ظل عدم القدرة على تطويرها. وقد قُدِّمَت التطورات في ميزانية الشركة على أنها إنجازات أنقذت الشركة من خسارة بقيمة 87 مليون دولار في 1997 وحوّلت مسارها نحو تحقيق الأرباح اعتباراً من 2002، وأن قيمة الأرباح الإجمالية خلال السنوات الـ15 الأخيرة بلغت مليار دولار. ومصدر هذا التطوّر، هو أن الشركة أجرت إعادة هيكلة إدارية وعملت على إعادة توزيع خطوط رحلاتها، فاعتمدت على الخطوط القصيرة المدى نسبياً مثل دول الخليج وأوروبا، وعلى التشارك مع الشركات الأجنبية لتسيير رحلات على خطوط قريبة وبعيدة، ثم حصلت على حصرية الطيران انطلاقاً من لبنان من ضمن سياسة الأجواء المفتوحة التي اعتُمدت، ما أسهم في الحفاظ على حصّة تزيد على 35% من مجموع الركاب في مطار بيروت الدولي.

في المقابل، كانت هناك انتقادات للشركة على أسعار التذاكر «الباهظة». الأسعار المرتفعة دفعت الشركات الأخرى التي تسيِّر رحلات إلى بيروت إلى رفع أسعارها أيضاً للاستفادة من ميزات الشركة التي تعدّ بمثابة النقل الوطني. كذلك ظهرت مجموعة من الانتقادات لإدارة الشركة والاتهامات بوجود هدر وفساد فيها، ولا سيما في ما خصّ صفقات شراء الطائرات والصيانة وسواها. وبالإضافة إلى الاتهامات بطغيان البزنس السياسي على أعمالها، وأخذ على الشركة امتناعها عن فتح خطوط طيران على بعض الخطوط التي تعدّ حاجة ملحّة للبنانيين المغتربين، ولا سيما الخطوط إلى بعض الدول الأفريقية، وإلى العراق وغيرها. بعض هذه الخطوط تطلّب مفاوضات طويلة المدى لإقناع الإدارة بجدواه.

في الواقع، تمثل الشركة أحد الأحصنة الثلاثة التابعة لمصرف لبنان الذي يعدّ الناخب الأكبر في الجمعية العمومية لشركة طيران الشرق الأوسط بعد تملكه 99% من أسهمها. إلى جانب الميدل إيست هناك كازينو لبنان وشركة إنترا. في الكازينو، يملك مصرف لبنان حصّة 10% من أسهم الكازينو، أو ما يوازي 72 ألف سهم، مقابل 53% لشركة إنترا، وفي هذه الأخيرة يملك مصرف لبنان 35% من الأسهم فيها. والمعروف أن القرار في هذه الأحصنة الثلاثة هو سياسي بامتياز. علماً بأن العرف جعل إدارة «إنترا» من حصة الشيعة، وقرارها بيد رئيس المجلس النيابي نبيه بري. أما الكازينو، فهو من حصّة المسيحيين، والقرار فيه يتخذ في القصر الجمهوري عند الرئيس ميشال عون. والميدل إيست من حصّة السنّة، والقرار فيها يتخذ في رئاسة الحكومة مع الرئيس سعد الحريري. وكل ذلك يجري بالتشاور مع حاكم مصرف لبنان.

وكان حاكم مصرف لبنان قد قاد خلال الأسابيع الماضية مفاوضات بين الأطراف السياسية المعنية بانتخاب مجلس إدارة جديد لشركة طيران الشرق الأوسط. على هامش هذه المفاوضات، برزت معطيات متناقضة عن النتائج التي توصل إليها سلامة. تارة كان هناك طرح من التيار الوطني الحرّ بأن يُفصَل موقع رئيس مجلس إدارة الميدل إيست عن موقع المدير العام من أجل أن يكون أحدهما للمسيحيين. على أن يترافق ذلك مع تعديل، ولو جزئياً، في الصلاحيات. لكن الرئيس الحريري رأى أن التخلّي عن هذا الموقع أمر غير مقبول. عندها ظهر طرح مختلف غير واضح المصدر، عن إمكان تخلّي سعد الحريري عن الحوت، مقابل تسمية شخص من الطائفة السنية يوافق عليه التيار الوطني الحرّ، وأن يكون هذا الشخص هو نائب حاكم مصرف لبنان الثالث محمد بعاصيري.

توالت الروايات بشأن الحوت، ولا سيما أن التيار الوطني الحرّ قد افتتح المعركة بوجهه عندما وجّه وزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد نقولا التويني كتاباً إلى الحوت، يطلب منه تزويده بتفاصيل ومستندات حول أكثر من 20 بنداً تشمل صفقات شراء الطائرات وسواها. الحوت رفض طلب التويني، فيما كان تحديد موعد للجمعية العمومية لشركة ميدل إيست أمراً متعذراً بسبب انشغال حاكم مصرف لبنان بمعركة تجديد ولايته، وبالتالي فإن المالك الأكبر للأسهم، أي مصرف لبنان، لم يكن متفرغاً لهذه المعركة، رغم أن موضوع الميدل إيست طرح أكثر من مرّة في اجتماعات مغلقة بين بعض وزراء التيار وسلامة.

قبل أيام تقاطعت رواية واحدة بين مصادر مختلفة عن نضج التسوية في الجمعية المقبلة، القاضية بالتجديد للحوت ولكل من عضوي مجلس الإدارة فؤاد فواز ومروان صالحة. برّي لم يرَ مانعاً من تسمية فواز لولاية إضافية، فيما تردّد النائب وليد جنبلاط في تسمية صالحة قبل أن يعود ويحسم أمره. أما الرئيس الحريري، فقد كان واضحاً منذ أشهر حين أبلغ سلامة ومن يهمه الأمر أنه يدعم بقاء الحوت في موقعي رئيس مجلس الإدارة والمدير العام.

لكن الساعات التي سبقت عقد الجمعية العمومية، شهدت حركة نشيطة في القصر الجمهوري بين الرئيس ميشال عون والفريق المكلّف التعامل مع هذا الملف. سرعان ما تبيّن أن التيار لم يوافق على التجديد للحوت، متمسكاً بحقه في التوصل إلى تفاهم يشمل رؤية شاملة لهذه الشركة. وبحسب مصادر مطلعة، إن «تكوين مجلس الإدارة سيكون تتويجاً للتفاهم على هذه النظرة التي أرادها الرئيس عون أن تكون شاملة لكل ما يتعلق بعمل الميدل إيست من الهيكلية إلى الإدارة والأسعار والخطوط والأسطول… الأمر لا يتعلق بتشكيلة مجلس الإدارة، وسواء أعيد انتخاب الحوت أو لا، فإن التفاهم مطلوب، وقد تبيّن أنه يتطلب وقتاً أطول». وتضيف المصادر العونية أن التجديد للحوت «ليس خيارنا، لكن هذه تركيبة البلد التي تفرض علينا التجديد لأشخاص، لكننا لن نقبل التجديد لواقع موجود وقائم بمباركتنا».

هذه التطورات رسمت مساراً مختلفاً للأجواء الإيجابية التي رُوِّج لها قبل أيام عن تسوية في الميدل إيست، إلا أنها لم تفسّر الصمت المطبق حول تسمية الأعضاء المسيحيين بالاستناد إلى ما قيل عن اتفاق بين الحريري والوزير جبران باسيل، على أن يسمي الأول أحد أعضاء مجلس الإدارة المحسوبين ضمن الحصّة المسيحية بعد تنازله للتيار الوطني الحرّ عن أحد المقاعد السنية في مجلس إدارة كازينو لبنان، وأنه لم يبقَ هناك تسمية عضوين من الحصة المسيحية، واحد بينهما للتيار الوطني. الصمت يعني أنه لا تسوية، وأن التسوية التي يريدها التيار لن تكون في مجلس إدارة الشركة فقط.