IMLebanon

نزاع الشرق الأوسط ومعادلة الأقوى

أعلن ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، أمام الصحافيين «أنّ سقوط مدينة تدمر السورية في قبضة تنظيم «داعش» يُظهر التهديد الذي ما زال يمثّله»، بعد أن كانت القوات الروسية والسورية قد استعادتها أوائل العام.

إنّ التقدّم الكبير لحسم معركة حلب من جانب القوات السورية وحلفائها، والمدعومة من تغطية جوية روسية، قابَله سقوط مناطق أخرى في يد «داعش»، أو المعارضة. وإنّ التوازن في المعركة على أرض الواقع، يضعنا أمام الإشكالية التالية: هل المنطقة مقبلة على حرب طويلة تهدف إلى استنزاف الدول العربية، عتاداً وعديداً؟

أمّ اننا في حالة حرب حقيقية بين مشروعين: الأوّل مدعوم من الولايات المتحدة ويعرف بمشروع الشرق الأوسط الجديد، والثاني تقوده روسيا الإتحادية تحت عنوان المشاركة في صنع القرارات الدولية من خلال عودة الثنائية القطبية؟

دخلت المنطقة مرحلة حرب استنزاف طويلة، من خلال ما تشهده من تدخلات دولية ومشاركة عسكرية في أكثر من مدينة ودولة. فمن اليمن إلى العراق وصولاً إلى سوريا، والدول الغربية والإقليمية والمحلية تخوض حرب مصالح وتثبيت وجود. ومن أبرز هذه الدول:

الولايات المتحدة وروسيا الإتحادية، وهما رأسا الحربة في النزاع الحاصل، في منطقة تتمزّق بأنياب الطامعين فيها. إضافة إلى بعض الدول الغربية كفرنسا وبريطانيا الطامحتين الى عودة نفوذهما إلى المنطقة.

ومن اللاعبين الإقليميين، نَجد:

– إيران، الحليف الأول لروسيا، والتي تعمل على إقامة المنطقة الخاضعة لنفوذها، بدءاً من إيران وصولاً إلى حزب الله في لبنان. لذلك، نجد أنّ مواقفها استنسابية في أكثر من صراع، ففي سوريا هي مدافعة عن النظام، وفي اليمن نجدها مع الثوار. هذا ما سيجعل منها دولة إقليمية أساسية في النزاع الدائر، وتشكّل خطورة على سياسات الدول العربية، وعلى الوجود الإسرائيلي في فلسطين المحتلة.

– قادة دول الخليج المجتمعين في المنامة، وخلال أعمال قمة «مجلس التعاون الخليجي» في نسختها الـ37، رأوا في إيران الخطر الحقيقي المهدد لأمن المنطقة، إضافة إلى خطر الكيان الصهيوني. لذا، دعوا إيران إلى عدم التدخل في شؤون الدول العربية. هم أيضاً مواقفهم مزدوجة في هذا النزاع، فهم يدعمون المعارضة السورية والعراقية، ويقفون مع الشرعية في اليمن بوجه النفوذ الإيراني الذي يتوسّع.

– تركيا، التي لها حساباتها الخاصة في المنطقة، تراها تحذّر الولايات المتحدة من عواقب وصول أسلحة إلى منظمات إرهابية في سوريا، وتحاول الاصطفاف إلى الجانب الروسي بعد عدم قبولها كعضو في الاتحاد الأوروبي. هي التي يتدخّل جيشها في العراق وسوريا في محاولة لحماية حدودها من الأعمال الإرهابية من جهة، وعدم السماح للأكراد بإقامة دولتهم من جهة أخرى.

لن تخرج المنطقة من أزمتها في الوقت القريب، خصوصاً أنّ اللاعبين هم من أصحاب القرار فيها، ومهما كان مشروع المنطقة من قِبل راسِميه، يبقى الهدف الأساسي استنزافها، وهو الأهم. فهذه المنطقة سَبق لها أن رزحت تحت الحكم العثماني، ومن ثم الإستعماري (فرنسا-بريطانيا)، إلى الإمبريالية مع أميركا، من دون أن ننسى الحلم الروسي بفرض هيمنته.

أخيراً، لا يحسم انتصار هنا أو استسلام هناك الحرب الدائرة في المنطقة. وإنّ اعتراف المسؤول الروسي بمقدرة «داعش» على تحقيق الانتصارات، على رغم ما يتعرّض من قصف دولي عليه، هو دليل واضح على أنّ المعركة طويلة، وأنّ قرار الحسم لم يزل بعيداً عند كل الفرقاء. لكن جلّ ما هو واضح أنّ شعوب المنطقة تدفع ثمن التهجير والقتل والتشريد على أرصفة الفقر في العالم.

لذلك، بات علينا أن نَعي خطورة الخطة المرسومة على المنطقة، وأنّ الرابح الأساسي هو الحكومة الإسرائيلية البعيدة عن نار المنطقة. لهذا، إنّ إدخال الوعي واليقظة إلى الشعوب المتصارعة هو المطلب الأساسي والرئيسي كي تخرج المنطقة وشعوبها من هذا الجحيم.