Site icon IMLebanon

الشرق الأوسط في عيون أميركا

منذ نهاية الحرب الفييتنامية في نيسان 1975، أصبح كل الرؤساء الأميركيين الذين تعاقبوا على البيت الأبيض أكثر انشغالاً واهتماماً بأحداث الشرق الأوسط. وخلال هذا الوقت الطويل، أهدرنا الكثير من الأموال، وأرسلنا المزيد من الجنود، وخضنا العديد من الحروب، وفقدنا الآلاف من الأرواح، وبدّدنا من رصيدنا السياسي في المنطقة بأكثر مما فعلنا في أي مكان آخر من العالم. والآن، وبرغم كل ذلك، ما زلنا نغفل الاهتمام بقضايا الشرق الأوسط وشعوبه، ونعجز عن ابتداع نمط سياسي معقول يضمن أن يكون تدخُّلنا في المنطقة بنّاءً.

وقد كنت أتابع كل الحوارات الرئاسية منذ عقود حتى الآن، أملاً في العثور على بوادر من المرشحين تشير إلى اهتمامهم بالقضايا الرئيسة التي يشهدها الشرق الأوسط. وكنت غالباً أشعر بخيبة الأمل، لأن القضايا هذه كانت تتعرض للتجاهل التام أو يتم تناولها بشيء من الاستعجال، وهو ما عكسته أول ندوتَي نقاش نظمهما «الحزب الجمهوري». فلدى النقاش بمسائل السياسة الخارجية، اقتصر الأمر إما على التسابق لإظهار الانحياز لإسرائيل، أو على انتقاد أوباما لـ «ضعفه» ولـ «الأخطاء» التي ارتكبها في ما يتعلق بالصفقة النووية مع إيران.

ومن ذلك مثلاً أن المرشحة كارلي فيورينا أطلقت تعهُّداً غريباً بقولها «سأحرص على إجراء أول اتصال هاتفي لي في البيت الأبيض بصديقي العزيز «بيبي» – وهو اسم الدلع لنتنياهو – للإعراب له عن حرص أميركا على الوقوف إلى جانب دولة إسرائيل». بدوره، أطلق المرشح الجمهوري توم كروز وعداً «بإلغاء الصفقة الإيرانية ونقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس». واستنكر آخرون السياسة الخارجية الضعيفة لأوباما، وتعهدوا بإظهار المزيد من القوة في معالجة الأزمة السورية، فيما ذكّر جيب بوش بموقف شقيقه جورج بوش، معتبراً أنه جعل أميركا أكثر أمناً وجدارة بالاحترام في العالم بعد هجمات 11 أيلول.

وفيما تميّزت جلستا النقاش لـ «الحزب الجمهوري» بالخواء وإثارة القلق، حملت جلسة الحوار التي نظمها «الحزب الديموقراطي» هذا الأسبوع بوادر أمل، وتخللها حوار موضوعي حول ما إذا كان استخدام الولايات المتحدة للقوة العسكرية في العراق وسوريا وليبيا مبرّراً وفعالاً أم لا.

وقد عمد أربعة من المتنافسين «الديموقراطيين» على بطاقة الترشح لانتخابات الرئاسة، إلى توجيه نقد عنيف لهيلاري كلينتون بسبب تأييدها للرئيس السابق بوش الابن وتصويتها لمصلحته عندما قرر شنّ الحرب على العراق. وذهب بيرني ساندرز في هذا الصدد، إلى حد وصف الحرب على العراق بأنها «أسوأ حماقة في تاريخ السياسة الخارجية للولايات المتحدة». كما تساءل لينكولن شافي عما إذا كان تصويت كلينتون لمصلحة الحرب في العراق يكفي للطعن في صلاحيتها لأن تكون القائدة العامة للقوات المسلحة. وكانت هناك تساؤلات أخرى تتعلق بالدور الذي لعبته هيلاري في حثّ أوباما على استخدام القوة المسلحة في ليبيا، وكذلك دعمها لفكرة فرض القوات الجوية الأميركية لمنطقة حظر جوي أو «مناطق آمنة» في سوريا.

وأثمرت هذه النقاشات والتحديات عن التوصل إلى تفاهم مشترك بين «الديموقراطيين» بأن الحرب على العراق انطوت على فشل مدمّر، وأنها أدت إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة، وزادت من قوة إيران، وأضعفت من تأثير القوة العسكرية الأميركية، وشوّهت سمعة واشنطن السياسية في المنطقة.

وبالفعل كان الحوار «الديموقراطي» يمثل بداية جيدة، لولا أن حرص زعماء الحزب على مسلّمة واحدة في الشرق الأوسط، وهي «أن علاقاتنا بإسرائيل، ليست قابلة للنقاش».