IMLebanon

الشرق الأوسط: الداء والعلاج

تتنازع الشرق الأوسط ظاهرتان؛

ظاهرة الاستقواء بالسلاح بما في ذلك السلاح النووي،

وظاهرة الاستقواء بالدين بما في ذلك العصبية المذهبية؛

وكلاهما مدمر.

أثبتت التجارب الانسانية ان القوة العسكرية قد تحقق انتصاراً. ولكن هذا الانتصار وهمي، سرعان ما تذروه رياح المتغيرات السياسية. والانتصار الوهمي هو في الحسابات الأخيرة أسوأ أنواع الهزيمة. 

وهناك نموذج النازية في ألمانيا، والفاشية في اليابان. فقد ارتدت الانتصارات العسكرية التي حققتها ألمانيا في أوروبا، والتي حققتها اليابان في شرق آسيا، وبالاً على أصحابها. وهي لا تزال حتى اليوم تشكل عبئاً معنوياً عليهما.. ووصمة عار على جبين أبطالهما.

وأثبتت التجارب الانسانية أيضاً ان العصبية الدينية هي أقصر الطرق الى الدمار الذاتي. وان «توظيف الله» في مشاريع سياسية وفي مخططات قومية توسعية على النحو الذي تقوم به اسرائيل في فلسطين و»حركة داعش» في العراق، وعلى النحو الذي تقوم به ايران في الشرق الأوسط، يستثير غضب الله من خلال إثارة غضب الناس، كل الناس، المؤمنين بعدالة الله ورحمته وأبوته للإنسانية جمعاء.

قام بذلك «الصليبيون» من قبل. وقام به العثمانيون من بعدهم. وقام به الأوروبيون في أميركا الجنوبية وآسيا وافريقيا، وكذلك في الشرق الأوسط.. وفي عصرنا الحديث عندما قرر الرئيس الأميركي السابق جورج بوش اجتياح العراق، أعلن ان قراره جاء بوحي من الله.. وتحقيقاً لمشيئته. وهذا ما يدّعيه اليوم أيضاً حمَلة مشروع الدولة الدينية اليهودية.. ورافعو لواء الدولة الدينية الاسلامية. كلّ يقوّل الله ما لم يقله، ويزوّر توقيعه على مشروعه الذاتي.

لا فرق بين «جيش الله» في يوغندة، و»أنصار الله» في اليمن.. و»جند الله» في سوريا، و»حزب الله» في لبنان، والمسيحانية الصهيونية في الولايات المتحدة.. الخ.. كل يجنّد الله في مشروعه السياسي، وكل يحتكر العزة الإلهية ليجعل منها مظلة لطموحاته التي تتجاوز حقوق الآخرين وكراماتهم، وتلغي كل ما عداه، حتى في حق الوجود والعيش الكريم.

ان ما يعصف بالشرق الأوسط ليس جديداً عليه ولا هو جديد حتى على العالم. لقد سبق أن شهدت المنطقة وشهد العالم عواصف عاتية عديدة من هذا النوع. ولكن من طبيعة العاصفة مهما كانت شديدة ومدمرة، انها لا تدوم. فهي محكومة بالانحسار والزوال. والله وحده هو الذي يبقى، وهو الخالد الدائم. أما مستغلوه فانهم يتلاشون الواحد بعد الآخر، وتتهاوى معهم مشاريعهم.

غير ان مشكلة الشرق الأوسط تكمن في انه لم يتعلم من دروسه السابقة، ولا من دروس غيره من مناطق العالم المختلفة. وهذا أسوأ مظاهر الجهل والتخلّف.

ان التعددية في الشرق الأوسط، دينياً ومذهبياً وثقافياً وعنصرياً، تشكل أساس هويته وجوهر وجوده؛ وكل محاولة لإعادة صياغته على أساس الدين الواحد، أو المذهب الواحد، أو العنصر الواحد، هي محاولة لإلغاء معناه كمهبط لرسالات السماء، ومنطلق للحضارات الانسانية. أي انها محاولة لإلغاء النموذج المعبّر عن إرادة الله وعن إرادة الانسان بوصفه خليفة الله في عمارة الكون.

وللخروج من محاولة هذه «الإلغائية» الفجة، لا بد من انتاج ظاهرتين تعيدان صناعة الشرق الأوسط من جديد.

ظاهرة الاستقواء بالحوار على قاعدة احترام الاختلاف بين الناس. وظاهرة الاستقواء بالدين على قاعدة احترام تعدد الطرق الى الله الواحد.

فالله سبحانه وتعالى خلق الناس مختلفين أجناساً وألواناً ولغات وثقافات. وهو اختلاف قائم بإرادة الله ومستمر بإرادته أيضاً حتى يوم القيامة. وكل محاولة لإلغاء هذا الاختلاف هي تطاول على الإرادة الإلهية مآلها الفشل. 

فالله سبحانه وتعالى أوحى برسالاته الى أنبياء ورسل كثيرين، وليس الى رسول ونبي واحد. بل انه أوحى الى رسل وأنبياء لم يذكرهم في القرآن الكريم، حتى تصل دعوته الى الناس جميعاً. وليس من حق أي مؤمن بأي دين، إلغاء إيمان الآخر لمجرد انه مختلف. فكيف بإلغاء إيمان الآخر بمذهب مختلف من الدين ذاته ؟!.

ان الاعتراف وليس الإلغائية هو الطريق الى المستقبل في الشرق الأوسط. الاعتراف بالتعدد وبالاختلاف الديني والمذهبي والعنصري واحترامه على انه تعبير عن الارادة الإلهية؛ ومن مقتضيات ذلك احترام حرية الضمير. ذلك انه في الحسابات الأخيرة، فان الله وحده يحكم بين الناس يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون. اي انه ليس لأي انسان حق البحث في ضمير الآخر والحكم عما في قلبه. ان ذلك هو شأن من شؤون الله وحده لا يشاركه فيه اي انسان آخر.

ان ما يمر به الشرق الأوسط اليوم ليس داء عصياً على العلاج. فالمنطقة لها من تجاربها الذاتية، ومن تجارب العالم المفتوحة امامها، ما يكفي لانتاج العلاج لمعالجة حالتها المرضية الصعبة التي تمر بها. والمهم أن لا تكون كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ.. والماء فوق ظهورها محمول !!..