الحروب التي تدور في منطقة الشرق الأوسط، أدت الى كارثتين مزدوجتين: الأولى بشرية تمثّلت في سقوط عدد ضخم من الضحايا في كلّ من ليبيا وسورية واليمن والعراق، والثانية اقتصادية بسبب هدر الثروات الطبيعية لهذه الدول.
مع هذه الكارثة البشرية، من المؤلم أن يشهد المواطن العربي كيف أن عدداً من الميليشيات في اليمن وليبيا والعراق وسورية – حيث النظام هو المسؤول الأول عن تدمير اقتصاده – يشارك في نهب ثرواته الطبيعية من النفط والغاز. فالحوثيون والرئيس السابق المخلوع علي عبد الله صالح وحليفه الإيراني، سعوا بقوة الى زعزعة استقرار بلد فقير، وإجبار جاره السعودي على التحرّك للتصدّي لمحاولة إيران تهديد بلد على حدوده. فعلي عبدالله الصالح سعى إلى مزيد من تخريب بلده، وجعله أفقر مما كان. وبعدما تمكّن اليمن من بناء مصنع للغاز لتصدير خمسة ملايين طن سنوياً، تشتريها شركة “توتال” النفطية التي أنشات هذا المصنع وتصدّرها الى آسيا وتمثّل ٢٠ الى ٢٥ في المئة من موازنة البلد، توقّف مصنع الغاز كلياً على رغم أنه محميّ من القبائل المختلفة فتوقفت عائدات البلد…
كان اليمن في غنى عن ذلك. وعلي عبدالله الصالح الذي جمع ثروات طائلة في هذا البلد الفقير، مسؤول عن هذا الهدر لثروات بلده الطبيعية، حيث استفاد منها مع فريقه عندما كان في الحكم، من دون أن يحسّن ظروف شعبه المعيشية. وفي ليبيا، أدت صراعات الميليشيات المختلفة والأطراف المتنازعة والفوضى السائدة، الى خروج معظم عمال النفط الأجانب، إضافة الى تدمير بعض المنشآت مثل حقل مبروك حيث تعمل “توتال”، وغيره من الحقول النفطية. فهذا البلد الذي كان ينتج أكثر من مليون ونصف المليون برميل من النفط يومياً، شهد انخفاضاً كبيراً في مستوى إنتاجه الذي تراجع الى ٣٠٠ ألف برميل يومياً. والفوضى في البلد أدت به الى أن يصبح بؤرة يتدفّق منها المهاجرون الأفارقة، الذين ينتقلون الى أوروبا عبر جزيرة لامبيدوزا الإيطالية.
وفي سورية حيث بدأ بشار الأسد حرباً على شعبه منذ أربع سنوات، تدهورت الأحوال المعيشية، وأُهدرت إمكانات بلد كان إنتاجه النفطي ضئيلاً بمستوى ٢٥٠ ألف برميل يومياً، ولكنه كان يكتفي بغازه. فوقع النفط بين صفقات تجار النظام وميليشيات “داعش” بدل أن تستفيد منه سورية.
أما في العراق، فتضافر “داعش” والظروف الأمنية الخطيرة في عدد من الأماكن، على السرقات وتوقيف مصفاة أساسية في البلد، والحؤول دون رفع العراق إنتاجه الى ما كانت الطبقة السياسية تتصوّره عندما تعاقدت مع الشركات النفطية العالمية لتطوير الحقول، ما أجبرها على تخفيض مستوى طموحات إنتاجها النفطي.
وفي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، نجحت القيادة في إيقاع شعبها تحت عقوبات دولية حرمته قسماً كبيراً من ثروته من النفط والغاز. فإيران التي كانت تنتج ما يقارب الأربعة ملايين برميل من النفط، أصبحت اليوم تصدر مليون برميل يومياً بسبب العقوبات، ما يعني أنها بسعر ٦٠ دولاراً للبرميل تحصل على ٢٢ بليون دولار بدلاً من أضعاف هذا المبلغ. إضافة الى أن هذه الأموال التي تتقاضاها إيران حالياً وهي تحت العقوبات، تُهدر لتمويل حروبها في سورية واليمن، وتمويل وكلائها مثل “حزب الله” في لبنان بدلاً من إنعاش شعبها وإخراجه من محنته.
هذه القيادات والميليشيات كافة المسؤولة عن خراب مستقبل أوطانها، ينبغي أن تعاقب عقاباً قاسياً من أبناء شعوبها، لأنها مسؤولة عن تحويل مستقبل شبابها الى جحيم بدلاً من توفير حياة كريمة له ودفعه الى البقاء لإعمار هذه البلدان. فيا حسرة على الأجيال المقبلة في هذه الدول.