Site icon IMLebanon

حل منتصف الطريق !

وضع اللبنانيون أيديهم على قلوبهم، قبل ظهر أمس.

خافوا أن يفقد رئيس البرلمان صبره، ويدعو الى جلسة نيابية لتشريع الضرورة.

وبعد الظهر عاد ميت الأمل الى الحياة. وتبين أنه لا يزال ملك الآمال لا صاحب الآمال المنهارة…

طلع الرئيس بري ب حل ل مأزق التشريع، تشريع الضرورة أحياناً، ولو كانت دونه شروط، أو عقبات.

خرج عن صمته.

صبره ما زال طويلاً.

ولو عيل صبره، لطار الأمل من إمكان التهدئة، إلا أن للرئيس بري حسابات، والحلفاء والأصدقاء.

صحيح، أن الخلافات عديدة، وأنه لا يبيع حلفاءه بسهولة، لكنه لا يبيع المواقف للأصدقاء بسهولة.

صحيح أن دولته لا يبيع تمام سلام بأرخص الأثمان.

وصحيح أيضاً أنه يحافظ على علاقاته المرّة حيناً مع حليفه اللدود وليد بك.

والصحيح أيضاً أنه يملك تحالفاً مع حزب الله وعلاقات وطيدة مع تيار المستقبل.

والصحيح أكثر أنه يعاني من ود شبه مفقود مع الرئيس ميشال عون، والصحيح أكثر أنه أمام امتحان صعب معه في انتخابات جزين.

لكنه، يعرف أكثر من غيره، أن لقاء الأربعاء النيابي هو حريص على استمراره، وعلى حضور نواب عونيين فيه، وأصدقاء لرئيس البرلمان، موازية للعلاقات مع ملك الرابية.

إلا أن تشريع الضرورة يواجه علاقات فريدة، مع حزب الكتائب ومع تحالف الرابية ومعراب.

والأستاذ سيد العارفين، ولا يحب أن يجعل من سيد البرلمان محشوراً ب خلافات مع القوى المسيحية الثلاث: الكتائب وتحالف الرابية ومعراب.

***

طلع الرئيس بري بأنصاف حلول: نصف تفاهم مع الكتائب. هي لا تريد التشريع في غياب الرئيس.

وهكذا أعطاها ما تريد.

ونصف تفاهم مع حزب القوات والتيار الوطني الحر، فلم يقطعها معهما، وترك للجان النيابية في البرلمان، ترميم التباينات مع حركة أمل.

وأبقى التحالف الثنائي بين حزب الله وحركة أمل على أحسن ما يرام، أو في أقل كلفة نزاع قد تطرأ بين الحليفين في طائفة واحدة.

بقيت الصراعات مع المسيحيين المستقلين في الواجهة، لكن الشيخ بطرس حرب سافر، وحتى يعود، تكون التسوية قد نضجت.

طبعاً، الأزمة باقية، لكن الأبواب بقيت مفتوحة.

الوطن من دون رئيس جمهورية، منذ عامين.

فكيف يمكن أن يصبح، اذا ما فرغ من وجود رئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الوزراء، وفي البلد ٢٤ وزيراً، كل واحد منهم يعتبر نفسه بمثابة رئيس جمهورية.

البلد، أساساً يعاني من أزمة فراغ في أعلى السلطة، فكيف يصبح اذا ما أصبح الوطن في فراغ شامل على كل المستويات!!

 

لم يتوصل العرب في أزهى أوقات أنظمتهم الى أكثر من مقولة التضامن العربي. وهي كانت في زمن ما دعوة صادقة، وهدفاً سامياً تتطلع اليه الدول العربية الكبرى المؤثرة، وبخاصة مصر والمملكة العربية السعودية. وحتى عندما كانت الأجواء العربية تتلوث بالخلافات العلنية أو المستترة، فقد حرصت الأنظمة التخفيف من شأن الخلافات، وتصفها بأنها بمثابة تباين في وجهات النظر، وفي هذه المرحلة عمت الخطاب السياسي العربي الرسمي عبارة سحابة صيف. وظلت مقولة التضامن العربي هي السائدة في الظاهر، حتى ولو كانت تعكس عملياً واقعاً من التكاذب المتبادل!

***

كانت الدعوة الى بناء قوة عربية موحدة أو اتحادية، تقتصر على الفئات الشعبية وبعض الأحزاب العقائدية. وكان من ألدّ أعداء إقامة وحدة عربية أو اتحاد عربي، الأنظمة العربية نفسها! وكان كل نظام عربي مستقل يعتبر أن أية وحدة ستحدّ من سلطاته شبه المطلقة في بلده! وتقاطع هذا السلوك مع استراتيجيات غربية وأجنبية ومعادية وضعت على رأس أولوياتها القضاء على أية نزعة عربية نحو الوحدة في مهدها، لأن تلك الجهات تعتبر ان اية قوة عربية موحدة من شأنها أن تهدد مصالحها بل مطامعها في ارض العرب، وكانت الصهيونية العالمية تعتبر توحد العرب خطراً مصيرياً على وجود كيان اسرائيل في المنطقة!

***

هذا الواقع هو الذي جعل دولاً عربية تنشد الحماية لدى دول عظمى مثل الولايات المتحدة الأميركية أو بعض الدول الأوروبية النافذة، أو الاتحاد السوفياتي السابق. ومن الطبيعي أن تنعكس أجواء الصراع الدولي على الواقع العربي، وتزيد في ترديه وشرذمته، وفي تأجيج الصراعات بين مكونات العالم العربي. ووصلنا اليوم ومنذ زمن، الى تدشين مرحلة الصراع المباشر بين الدول العربية أو بعضها، والعمل الصريح والعلني على اسقاط بعضها بعضاً، بكل الوسائل المتاحة، بما في ذلك الحروب والفتن والتآمر. ووصل العرب اليوم الى ما وصلوا اليه من انهيارات متلاحقة لبعض دولهم، ومن أخطار زاحفة على ما تبقى من أنظمة عربية. وكل ذلك أراح الطامعين وأسعد الأعداء!

***

من الواضح أن بعض الدول العربية الكبرى ومنها السعودية، بدأت تدرك حقيقة هذه الأخطار. والبدء برسم استراتيجية لاعادة بناء اقتصاد ما بعد النفط حتى العام ٢٠٣٠ هو توجه حكيم وفي محله، وهو أمر ضروري ولكنه غير كاف. ومن الواجب أن يسبقه توجه نحو وضع استراتيجية سياسية جديدة، لأنه مع حدوث انهيار سياسي في أية دولة عربية، تسقط معها على الفور كل الخطط الاقتصادية متوسطة وبعيدة المدى. وفي ضوء التجارب العربية المريرة طوال عقود الاستقلال السابقة، فإن الاستراتيجية الجديدة المجدية ينبغي أن تقوم على نقيض القاعدة السابقة. أي أن يتوجه العرب نحو اقامة قوة عربية متماسكة بالاعتماد على أنفسهم أولاً وأخيراً.