قال الشعب الأميركي كلمته في الانتخابات النصفية مما أوحى أنه بالرغم من فوز الديمقراطيين في مجلس النواب، إلا أن فوز الجمهوريين في مجلس الشيوخ يظهر أن الانقلاب الذي راهن عليه معارضو سياسات ترامب المتشددة لم يحصل، بل على العكس، استثمر ترامب ذلك موحياً أنه صاحب الفضل في فوز حزبه في الكونغرس، مما أعطاه دفعاً ليكمل أجندته من دون أن يضيع الوقت أو أن يعطي خصومه فرصة تعطيله.
لم يكن القصاص الشعبي المتوقع الرافض لسياسة ترامب الترهيبية والتي انتهجت التنمّر ضد المهاجرين والأقليات وفرض سياسة الكاوبوي على المسرح الدولي، فكان الخرق الديمقراطي خجولاً وغير قادر على إحداث تغيير جذري في المنهج العام لسياسات ترامب، إلا أنه سيلعب دوراً هاماً في مراجعة قوانين الضريبة التي خدمت أصحاب الدخل المرتفع، كما أنه سيتمكن من المضي قدماً بتحقيقات الشفافية الانتخابية والدور الروسي المزمع، والعديد من الملفات الأخرى التي ستجعل النصف الثاني من ولاية ترامب أصعب ويحمل أكثر من تحد جديد… وعلى الرغم من أن الأخير قد أعلن فور ظهور النتائج، عن استعداده للتعاون مع الديمقراطيين خاصة في ما يتعلق بالملفات الداخلية وأهمها الصحة والتعليم، إلا أن ملف الهجرة يبقى أكثر تعقيداً وهو الهوية الصارخة لبرنامجه الانتخابي.
من دون الخوض بتفاصيل السياسة الأميركية، تؤكد النتائج النصفية أن الأصوات المعارضة لموجة العنصرية في الولايات المتحدة كانت أضعف من أن تشكل تهديداً جدّياً لولاية ترامب، كما جاءت نتائج الانتخابات في البرازيل عبر فوز بولسونارو واتجاه الهوى الأوروبي نحو اليمين المتطرّف لتنذر بمرحلة جديدة من التسلط العرقي الأبيض، الذي استخدمته بعض أنظمة الغرب ليقوم ببعض المهام القذرة، فكان أن أفلت الغول من القفص وصعد السلم ليستلم الحكم تدريجياً.
إنها مرحلة صعبة على المهاجرين نحو الغرب عموماً والمسلمين منهم خصوصاً، وفيما تغيب سياسات الدول لمعالجة أزماتها الداخلية واستيعاب طاقاتها الشابة لتحد من موجات الهجرة المتزايدة، يبقى الهاجس الأكبر غياب الاستقرار عن دول المنطقة عموماً وعجزها عن تصوّر أو تخطيط لمستقبل أبنائها، في حين لا تزال الحكومات العربية غارقة في وحول الخلافات المتحركة من جهة، والفساد الذي ينهش من خيرات هذه الدول ويقلص حقوق مواطنيها بشكل ممنهج من جهة أخرى، حيث غابت مختلف صمامات الأمان التي كانت تشكل توازناً معيناً مع الواقع المعيشي والاقتصادي الصعب… مما وضع المواطن العربي، بشكل خاص، بين مطرقة الجحيم في وطنه وسندان العنصرية في دول المهجر، من دون أن نغفل الخسائر الفكرية والبشرية التي تتكبدها الدول الأم التي تصدّر الطاقات البشرية والمالية مجاناً، ولا يبقى في ربوعها إلا الأعباء المتزايدة والنعرات الفئوية التي تغرق البنية الوطنية في حروب وصراعات متخلفة تضرب الحضارة العربية عموماً وتُمعن في تحوير وتشويه صورة الإسلام خصوصاً.
يبقى موضوع الهجرة الأكثر جاذبية للناخب في مختلف دول الغرب، وهو المحرّك الرئيسي للانتخابات المستقبلية، فهل ستنجح الطاقات المهاجرة في كسر الصورة النمطية المسيئة للإسلام والعرب كما نجحت أول سيدتين مسلمتين، إلهام عمر ورشيدة طليب، في الوصول إلى الكونغرس وتعميم هذه التجربة الناجحة على أنه لا مستحيل يقف أمام العمل الدؤوب والحراك الفكري المنتج، أم أن العنصرية ستمارس سياسات أكثر تشدداً تؤدي إلى المزيد من الصراعات والانقسامات داخل المجتمعات الغربية؟