Site icon IMLebanon

هلع لـدى رجال الـدين المسيحييّن من تفاقــم الـهجرة المسيحيّة

 

بات هاجس الخوف من تفاقم هجرة المسيحييّن من لبنان، الهم الاكبر لدى رجال الدين ومن كافة الطوائف المسيحية، خصوصاً بعد تاريخ الرابع من آب المأساوي، الذي اسقط ضحايا وجرحى وادى الى دمار ابنية وشوارع في العاصمة، في ظل كل الكوارث القائمة في لبنان من انهيار اقتصادي ومالي، وصعوبات معيشية وبطالة واقفال مؤسسات، وإقالة موظفين وغلاء مخيف، وجمود اموال اللبنانيّين في المصارف، مع رفع دعم مرتقب عن الوقود والطحين والادوية والى ما هنالك. كل هذا جعل اكثرية العائلات اللبنانية ضمن خط الفقر والبعض ما دونه، ما انتج حالة عامة تشاؤمية جداً وفاقدة لأي أمل لدى الشباب، بسبب عدم قدرتهم على تحقيق احلامهم وطموحاتهم في وطنهم، مع مصاعب لا تعّد ولا تحصى تطوّق لبنان واللبنانيّين، لتوصلهم الى الهجرة الجماعية ومن كل الطوائف، في حين تسجّل ووفق احصاءات رسمية هجرة مسيحية بأعداد كبيرة، إضافة الى معلومات في هذا الاطار ذكرها رئيس مؤسسة «لا بورا» الاب طوني خضرا وحذّر منها مراراً، كما انّ الاوراق التي تقدّم للمخاتير بهدف الحصول على جوازات سفر من مكاتب الامن العام تؤكد ذلك، فضلاً عن ارقام خيالية لفتت اليها السفارات التي يتوّجه اليها اللبنانيون عامة والمسيحيون خاصة، والتي تظهر العدد الكبير لطلبات المسيحيين التواقين للهجرة.

 

انطلاقاً من هذا المشهد ، تنقل مصادر دينية مسيحية هواجس رجال الدين الموارنة والكاثوليك والارثوذكس من تدفق في هجرة المسيحيين من لبنان، ما يهدّد الوجود المسيحي بسبب الخلل الديموغرافي الذي يتصاعد يوماً بعد يوم، خصوصاً انهم يهاجرون الى الدول البعيدة كأميركا وكندا واوستراليا ، مما يعني ان ظروف العودة تصبح صعبة للغاية لا بل مستحيلة، لانهم إستقروا هناك على جميع الاصعدة، فتلك الدول تقدّم التسهيلات ولم تعد تضع شروطاً قاسية، لمنح تأشيرات الإقامة والدراسة.

 

وفي هذا الاطار يشير مصدر في «حركة الارض» الى ان السفارة الكندية في لبنان، أبلغت قبل اشهر قليلة عدداً كبيراً من الاطباء ورجال الاعمال المسيحيين، بقبول طلبات هجرة سبق ان تقدّموا بها قبل عشر سنوات، ضمن عدد وصل الى اكثر من خمسة الاف طلب من تلك الوظائف.

 

ووفقاً لما أدلى به النائب المستقيل الياس حنكش نهاية آب الماضي، عن وجود 380 ألف طلب هجرة، منها 300 ألف طلب لدى السفارة الكندية، و80 ألف طلب لدى سفارات أوروبية إضافة الى السفارة الأميركية، واكثريتهم من المسيحيين، ناقلاً هذه المعلومات عن مصدر في السفارة الكندية.

 

كما نشرت «الدولية للمعلومات» أرقاماً تؤكد ارتفاع متوسط عدد المغادرين من لبنان، مقابل انخفاض متوسط عدد القادمين، فبعد انفجار المرفأ في 4 آب، انخفض متوسط عدد القادمين بنسبة 12% بينما ارتفع متوسط عدد المغادرين بنسبة 36 %، في ظل معلومات بأنّ اكثرية المغادرين من المسيحيين.

 

وفي هذا الاطار يبدي رئيس مؤسسة «لابورا» التي تُعنى بتأمين فرص عمل للشباب المسيحيّين، الاب طوني خضرا خلال حديث لـ «الديار» مخاوفه من خطر الهجرة اللبنانية ككل، ويشير الى انهم كمؤسسة اجروا قبل فترة وجيزة احصاءً شمل 500 شاب وفتاة، لمعرفة مدى تأييدهم وتوقهم الى الهجرة، فأتى الجواب صادماً بعد نتيجة اظهرت شغف 69 في المئة من تلك المجموعة رغبتها بالهجرة الفورية.

 

الى ذلك تذكّر المصادر الدينية المسيحية بالعبارة التي اطلقها المؤرخ الراحل شارل مالك: «إذا سقطت المسيحية الحرة في لبنان انتهى أمرها في الشرق الأوسط كله»، داعية الى التمسّك بالوجود المسيحي في بلداننا المشرقية، والايمان بأن الشرق الأوسط هو مكان تجسّدنا، لكن ما الذي يمكن ان نقوله لأبناء الرعايا ضمن كل الطوائف المسيحية، لانهم يشعرون بأنّ وجودهم بات مهدّداً اليوم اكثر من اي وقــت مضى، من هنا يعيش المسيحيون في الشرق حالة خوف على مستقبلهم فيدفعون دائماً الثمن، لذا يبحثون عن ملاذ آمن في مكان ما من العالم، بعد أن افتقدوه في أوطانهم الأم، وبعد ان تلاشت أحلامهم بـدولة حديثة تحقق لهم المساواة التامة مع شركائهم، سائلة : «ما الذي يمكن قوله في ظل كل الكوارث التي نعيشها، اذ انّ المواطن المسيحي لم يعد يشعر بطمأنينية العيش المشترك، ولذا لا بدّ من الاعتراف بالخصوصيات المسيحية والسنّية والشيعية، معتبرةً ان على الحضور المسيحي في لبنان ان يكون مشاركاً في صناعة القرار الوطني، وإلا لن يتحقق التعايش، لان هجرة المسيحيين مشهد يتكرّر ويتنقل، مما يجعل من الهجرة مصدر قلق لأن الأرض التي نشأت عليها المسيحية تفرغ شيئا فشيئاً من مؤمنيها، ومن هنا يجب العمل الجدي للحدّ من نزيف الهجرة».

 

وختمت بالدعوة الى إتخاذ إجراءات عاجلة لوقف هذا النزف المستمر، أي إجراءات تؤكد تحمّل الدولة لمسؤوليتها في القيام بواجباتها، لافتة الى انّ المسيحييّن يعيشون حالة قلق على المصير، بعد ان كان لبنان يحوي أكبر وجود مسيحي فاعل في الشرق، بعدما لعبت عوامل عدة دوراً في تناقص عددهم، من ضمنها الخلل الطائفي الذي يسيطر على مؤسسات الدولة، بحيث يغيب المسيحيون بوضوح عن اكثرية المراكز الهامة، على الرغم من الكلام المعسول الذي نسمعه بين الحين والآخر بضرورة إصلاح هذا الخلل، إلا ان شيئاً من هذا لم يحصل، آملة وعي المسؤولين لخطورة ما يجري في هذا الاطار.