لم يسدّ الانهيار الاقتصادي مزاريب الهدر، لا بل تؤثر الإدارات والمؤسسات الرسمية الغرف من المال العام حتى آخر فلس. فيما تبدو الحكومة مصممة على الاستظلال بشعار «الليرة بخير» للاستمرار في الإنفاق من دون حسيب أو رقيب. يوم أمس، جدّد مجلس الوزراء عقد إيجار المجلس الاقتصادي والاجتماعي، المستأجر من شركة «سوليدير». يبدو الأمر سوريالياً. فعوض تحرير الدولة الأملاك العامة والخاصة من براثن «سوليدير»، خصوصاً بعد صدور تقرير أولي عن مجلس الشورى حول انتهاء عقد الشركة عام 2019، تدفع الدولة للشركة مقابل استخدام هذه الأراضي المحتلة! أما العقد، فهو عبارة عن بدل إيجار سنوي قدره 280 ألف دولار كان يدفع بالدولار ووافقت «سوليدير» على تقاضيه هذا العام وفق سعر صرف الدولار الرسمي «بتاريخ الدفع». إلا أنها اشترطت، بحسب التقرير الصادر عن إدارة الأبحاث والتوجيه في مجلس الخدمة المدنية، فصل الخدمات المشتركة ومواقف السيارات والمصاريف الجارية بحيث تُدفع وفقاً لسعر منصة «صيرفة». إذاً، الى جانب الـ 480 مليون ليرة التي سيسددها المجلس لمصلحة «سوليدير» من اعتماداته في موازنة رئاسة مجلس الوزراء، يتوجب عليه دفع 28 ألف دولار لقاء ما سمته الشركة «خدمات مشتركة» وفق منصة صيرفة (20500 ليرة)، و19 ألفاً و680 دولاراً بدل اشتراك سنوي لـ 20 موقفاً للسيارات ستُحتسب وفق منصة «صيرفة» أيضاً. على أن تضاف الى المبلغ الإجمالي الضريبة على القيمة المضافة. وفي حسبة بسيطة، يتبين أن قيمة الخدمات المشتركة (574 مليون ليرة وفق «صيرفة») باتت تفوق قيمة إيجار المقر نفسه! كذلك الأمر بالنسبة إلى بدل المواقف الذي يوازي اليوم 404 ملايين ليرة. هكذا تصل كلفة الايجار كاملة الى نحو مليار ونصف مليار ليرة!
فما الذي يدفع مجلس الوزراء مثلاً الى الموافقة على تجديد إيجار مماثل في منطقة تُعدّ من أغلى المناطق في لبنان وبمساحة تقارب 1365 متراً مربعاً، علماً بأن رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي شارل عربيد يفاوض «سوليدير» على تقليص قيمة النفقات المشتركة لأن المجلس لا يداوم سوى 3 أيام في الأسبوع! ولماذا الإصرار على الاحتفاظ بـ 20 موقفاً للسيارات رغم الكلفة المرتفعة لهذه المواقف والتي تكاد تعادل عقد الإيجار؟ يحصل ذلك في ظل تنصّل إدارة الأبحاث والتوجيه من دورها بإلقاء مهمة مناقشة الكلفة على مجلس الوزراء لاتخاذ القرار المناسب بحجة أن عقد الإيجار يرعاه قرار صادر عن مجلس الوزراء.
والمجلس الاقتصادي والاجتماعي ليس استثناء، بل ثمة عشرات العقود المماثلة التي تدفعها الدولة اللبنانية مقابل إشغال مبانٍ ومساحات رغم عدم حاجتها إليها أو إمكانية تقليص هذه النفقات بنقل المقر من مكان الى آخر. وفي هذا السياق، تشير المعلومات الى أن تجديد عقود وزارات كل من المهجرين والتنمية الإدارية ومكاتب تابعة لوزارة الأشغال العامة في مبنى «ستاركو» تخضع للمعادلة نفسها، لا بل يطالب مالك المبنى بدفع العقود الجديدة وفق سعر الدولار في السوق السوداء. وتزداد السوريالية عندما يتبيّن أن مبنى «ستاركو» الذي تشغل هذه الوزارات مكاتب فيه، يملك الحصة الأكبر فيه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. ما يعني عملياً أن هذه الوزارات تدفع رسوم إيجار بالدولار الفريش لرئيس مجلس الوزراء!