يسود الإرباك مشهد استشارات تكليف رئيس حكومة جديد في لبنان… وفيما ينحو الثنائي الوطني الى تقبّل أي إسم يصل بأصوات النواب المنتخبين في ١٥ أيار، يبدو ان التيار الحر يراوغ ويبتز كل القوى الداخلية والخارجية بتصوير نفسه بيضة القبان في ترجيح كفّة الرئيس المكلف، ولكن، ما خلف استشارات التكليف ليس الإسم بحد ذاته على اعتبار ان قيادات رفيعة المستوى في الثنائي الوطني تجزم «بأن لا حكومة في الأفق وان التكليف سيبقى بدون تأليف»، مما يعني ان حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي ستكون حكومة إدارة الفراغ الرئاسي بمعزل عن نتيجة الاستشارات.
المشكلة اليوم ان الفرنسيين يريدون ميقاتي رئيسا للحكومة فيما تمانع واشنطن هذا الخيار دون طرح أي اسم بديل، حتى ان دوائر دبلوماسية غربية كشفت لأول مرة «ان واشنطن لا تريد نواف سلام رئيسا للحكومة»، وان الملف اللبناني السياسي راهنا خارج اهتماماتها، والأفضل أن يكون لبنان في حالة فراغ مؤسساتي على صعيد رئاستي الجمهورية والحكومة ربطا بالمفاوضات غير المباشرة حول الملف النفطي وترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة، فيما يبدو ان الاهتمام السعودي المباشر في ملف الاستشارات النيابية لن يؤدي الى لم شمل كل معارضي حزب الله تحت رايتها بما يسقط محاولاتها لإعادة تفعيل دورها السنّي وحصتها في الرئاسة الثالثة.
المشكلة الأكبر، ان تكليف أي شخصية سيبقى ناقصا حتى لو كان نجيب ميقاتي، ولن تصل الى حد التأليف إلا في حالة «اتفاق دولي – داخلي» على ربط نزاع مرحلي يفضي الى تأليف حكومة جامعة تضم كل مكونات المجلس النيابي لتمرير الاتفاقيات مع صندوق النقد الدولي ووضع خطة اقتصادية شاملة بانتظار الاتفاق على تسوية رئاسة الجمهورية وضمنا على تسوية نهائية لملف الثروة النفطية، وهنا يبرز تزايد الحديث غير المؤكد بعد ونتحفّظ عن ذكره حول تسوية بين اسم الرئيس المكلف وملف ترسيم الحدود يتولى إخراجها التيار الحر وفريق رئيس الجمهورية.
ولكن، تشير كل المعطيات المتوافرة من قيادات صاحبة قرار في لبنان بأننا مقبلون على أزمة متشابكة طويلة المدى، وان الـ«كارت» الأخضر الذي منحه الثنائي الوطني وقيادات ٨ آذار للقبول بنتائج الاستشارات النيابية بمعزل عن الشخصية التي ستفوز ليس تسهيلا للتأليف بل فتح باب التفاهمات والتسويات حول الأزمة اللبنانية.
وهنا يبرز اعتراض القيادات المسيحية الذي وصل الى مسامع الفاتيكان والفرنسيين حول حكم الشيعة والسنّة للبنان لفترة قد تطول ربطا بالمجريات في المنطقة والاقليم، معتبرين ان التمثيل المسيحي في حكومة ميقاتي لا يمنحهم الحضور الكافي في فترة فراغ سياسي وانهيار اقتصادي لم يشهد لبنان له مثيلا، بما سيؤسس لسحب العديد من امتيازاتهم في مرحلة ما بعد الفراغ وعهد الجمهورية الثالثة الذي يجري ترتيبها.