«أساس ميديا»
انتهى العهد البائس الذي على رأسه الثنائي ميشال عون – جبران باسيل قبل أن ينتهي. انتهى بالطريقة التي يستأهل أن ينتهي بها قبل أربعة أشهر من خروج ميشال عون من قصر بعبدا في 31 تشرين الأوّل المقبل. سقط «العهد القويّ»، وهو العهد البرتقاليّ الذي عصره «حزب الله» حتى آخر نقطة بعد خسارته المواجهة التي خاضها مع نجيب ميقاتي. خسر المواجهة بالنقاط بعدما سعى جبران، متسلّحاً بامتلاك توقيع رئيس الجمهوريّة، إلى تأمين تشكيل حكومة جديدة يكون له فيها وجود متميّز. رفض نجيب ميقاتي ذلك من منطلق أنّ لديه حسابات خاصّة به من جهة، وأنّه يستطيع السماح لنفسه بعدم الاستجابة لأيّ طلب صادر عن صهر رئيس الجمهوريّة من جهة أخرى.
جاءت نهاية العهد البرتقالي بعدما فقد الثنائي الورقة الأخيرة التي كان يمتلكها، وهي توقيع رئيس الجمهوريّة مراسيم تشكيل الحكومة. اكتشف الثنائي متأخّراً أن لا فارق لدى رئيس الوزراء المكلّف نجيب ميقاتي تشكّلت حكومة جديدة أم لم تتشكّل. في حال تشكّلت حكومة بموجب الحدّ الأدنى للشروط التي لدى ميقاتي، في مقدَّمها استبدال وزير الطاقة، كان ذلك خيراً… وإلّا تبقى الحكومة الحالية بحسناتها وسيّئاتها والتوازنات التي تمثّلها. لم يعُد توقيع رئيس الجمهوريّة يمثّل نقطة قوّة تسمح للثنائي الرئاسي بابتزاز رئيس الوزراء المكلّف كما حصل في الماضي مع سعد الحريري!
جبران في الشام
بلغ اليأس بجبران باسيل أن ذهب إلى دمشق للاستنجاد بالنظام السوري متجاهلاً أنّ شبكة العلاقات التي لدى نجيب ميقاتي تتجاوز النظام السوري الذي لا حول له ولا قوّة، خصوصاً في هذه الأيام بالذات. هذه أيّام لا وجود فيها لقرار سوريّ في أيّ شأن كان. القرار السوري قرار إيراني ليس إلّا… في ظلّ الانشغال الروسيّ بحرب أوكرانيا. إيران، عبر «حزب الله»، استهلكت جبران باسيل ولديها هموم من نوع مختلف تجعلها تلتقي مع نجيب ميقاتي بوجود شبكة علاقات دولية، خصوصاً أوروبيّة وفرنسيّة، تحديداً، لدى رئيس الوزراء المكلّف.
انتهى العهد والتفكير الآن في مرحلة ما بعد 31 تشرين الأوّل، وهل يكون هناك رئيس جديد للجمهوريّة أم يكون ميشال عون آخر رئيس مارونيّ في قصر بعبدا. يبدو طرح مثل هذا السؤال مشروعاً في ظلّ مخاوف الفاتيكان الذي حرص، في آخر زيارة قام بها ميشال عون لروما ولقائه البابا فرنسيس، على التنبيه إلى ضرورة انتخاب رئيس جديد قبل انتهاء ولاية الرئيس الحالي. هذا ما يفسّر تشديد البطريرك الماروني بشارة الراعي في عظته الأخيرة على هذه النقطة بالذات مستعيناً بما ورد في الدستور في هذا الخصوص.
لم يفقد جبران ورقة توقيع رئيس الجمهورية مراسيم تشكيل الحكومة فحسب، بل فَقَد أيضاً ورقة أخرى تتمثّل في رغبة ميشال عون في البقاء في قصر بعبدا بعد انتهاء ولايته. لم يعُد سرّاً أنّ رئيس الجمهورية يبعث حالياً برسائل في كلّ الاتّجاهات. فحوى الرسائل واحدة، وهي أنّه، على غير عادته، سيغادر قصر بعبدا لحظة انتهاء ولايته الرئاسيّة. يعود ذلك إلى أنّ وضعه الصحّي وقدرته على التركيز لا يسمحان له بالبقاء والمقاومة كما فعل في الأعوام 1988 و1989 و1990 عندما رفض تسليم القصر الرئاسي إلى الرئيس المنتخَب رينيه معوّض، الذي ما لبث النظام السوري أن اغتاله، ثمّ إلى خليفته الياس الهراوي. فضّل وقتذاك رفض تسليم الرئاسة إلى رينيه معوّض أو الياس الهراوي. اختار الخروج من القصر واللجوء إلى السفارة الفرنسيّة والانتقال إلى المنفى الفرنسيّ. فضّل عمليّاً دخول الجيش السوري إلى قصر بعبدا على أن يكون فيها رئيس للجمهوريّة يعود الفضل في انتخابه إلى اتفاق الطائف…
ميقاتي رجل المرحلة؟
يحاول نجيب ميقاتي بنجاح أن يكون رجل المرحلة المقبلة في لبنان. ثمّة حاجة لدى «حزب الله» إلى الرجل في حين أنّ جبران باسيل لم يعُد يفيد الحزب في شيء باستثناء توجيه كلام بذيء إلى «القوات اللبنانية». لكنّ السؤال الذي سيطرح نفسه باستمرار: ما الذي سيفعله الحزب بعد نهاية عهد ميشال عون – جبران باسيل؟ ما هي خطوته المقبلة، إذا وضعنا جانباً أنّ ميشال عون لعب مع صهره كلّ الأدوار المطلوب منه لعبها من أجل تدمير لبنان ومؤسّسات الدولة وتهجير أكبر عدد من المسيحيّين منه استكمالاً لِما فعله في أواخر ثمانينيّات القرن الماضي؟
في النهاية، في عهد ميشال عون – جبران باسيل انهار النظام المصرفي اللبناني، وفُجِّر مرفأ بيروت، وغاب العرب والعالم عن لبنان، وبسطت العتمة ظلّها على كلّ الأراضي اللبنانيّة.
ثمّة تتمّة للسؤال المتعلّق بما سيفعله «حزب الله» في المرحلة المقبلة. هذه التتمّة يختزلها سؤال آخر في غاية البساطة: إلى أيّ حدّ ستسمح «الجمهوريّة الإسلاميّة»، التي تفرض احتلالها على لبنان، بهامش للمناورة يمتلكه نجيب ميقاتي؟ يعني مثل هذا الهامش السعي إلى ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل بما يمكّن لبنان من استغلال ثروته من النفط والغاز يوماً.
أيّ أولويّة لإيران في لبنان، بعد وضع يدها على البلد، غير جعل ترسيم لبنان لحدوده البحريّة مع إسرائيل ورقة في يد «الجمهوريّة الإسلاميّة»؟ لا يمكن وضع الطائرات المسيّرة التي أطلقها «حزب الله» في اتّجاه حقل «كاريش» الإسرائيلي خارج هذا الإطار الذي لم يعُد فيه لبنان سوى ورقة إيرانيّة… اجتمع فيه وزراء الخارجية العرب أو من يمثّلونهم أم لم يجتمعوا… هزم نجيب ميقاتي جبران باسيل بالنقاط أم لم يهزمه.