مجلس الوزراء هو الاطار التفاعلي الوحيد لعملية الشراكة الوطنية واعادة تكوين السلطة وقراراته وتوجهاته تعكس واقع التوازنات السياسية القائمة، وتاريخ مجلس الوزراء شهد الكثير من تعقيدات السلطة التنفيذية وتوازناتها من تعقيدات التشكيل والتوقيع الى الوزير الملك الى الثلث الضامن او المعطل الى حكومات الوحدة الوطنية او اللون الواحد والميثاقية والغير ميثاقية الى ما هنالك من ابتكارات وتوصيفات كانت الغاية منها اضفاء الشرعية الدستورية والقانونية على عملية الانقسام السياسي.
تواجه الحكومة بعد ١٤ تشرين تحديات امنية سياسية وقضائية داهمة تضاف الى تحديات الانهيارات الاقتصادية الاجتماعية المتراكمة منذ ١٧ تشرين ٢٠١٩ و٤ آب ٢٠٢٠، وتداعيات ٢٠٢١ التي بات خلالها ٨٥ بالمئة من اللبنانيين تحت خط الفقر بدون دخل او مدخرات او تأمينات او تعليم او دواء، ناهيك عن اهوال كورونا والتباعد الاجتماعي واقفال المؤسسات مع انعدام التقديمات والضمانات، والتي جاءت حكومة الرئيس ميقاتي لمواجهتها عبر التفاوض من الجهات الدولية لتأتي تحديات ١٤ تشرين وتضع الحكومة امام خيارات مصيرية بالغة الدقة وهي بين الشروع في عملية تصريف الاعمال او تجاوز التحديات الامنية السياسية المستجدة.
الحكومة الحالية هي انتقالية في اساس تكوينها ومهماتها وهي نقطة تلاقي سياسي وطني على اساس الاحتكام لمرجعية الدولة ومؤسساتها وعدم التسليم بكافة اشكال الانقسام السياسي والامني، وتتميز المراحل الانتقالية بالكثير من الصبر والثبات من اجل الخروج من مجتمع النزاع وضروراته الاستثنائية والقاهرة، والتي تستدعي تأقلم المجتمعات مع القتل والقنص وخطوط التماس (وسالكة وآمنة) وغيرها من المصطلحات التي تتحكم بأدبيات مجتمعات النزاع، وتتميز الحكومة الانتقالية ايضا بوضوح الاهداف الوطنية الانقاذية وفي مقدمتها حماية مجتمع السلم الاهلي وتثبيت قواعد الانتظام وتشكيل وتعزيز الوحدة الوطنية ونبذ الانقسامات الطائفية والمذهبية وكل اشكالات العنف الاهلي والامني والاعلامي والسياسي.
ان حكومة تصريف الاعمال تجعل من الازمات واقعاً مستداماً، والحكومة الانتقالية تعمل على تجاوز الازمات والانتقال بالمجتمعات من النزاع الى الانتظام لذلك لا بد من مواجهة كل الضجيج الذي تشهده البلاد منذ الخميس ١٤ تشرين لأن افق النزاع في لبنان مسدود وممنوع رغم جهوزية قوى النزاع لإعادة بناء التوازنات السياسية على اساس معايير القوة الطائفية والمذهبية والعسكرية والتحالفات الاقليمية والدولية والى ما هنالك من ابتكارات وادعاءات وبدع تحكمت في كل عمليات اعادة تكوين السلطة منذ عشرات السنوات في لبنان.
النزاع الاهلي في لبنان اصبح من المحرمات وهذا ما اكدته كل الامتحانات الصعبة السياسية والأمنية والاغتيالات والاشتباكات والعمليات العسكرية، مما يؤكد عجز ادوات النزاع وعدم قدرتها على تجاوز جدار السلم الاهلي وقصص نجاحات وانجازات الحكومات الانتقالية بعد انتخابات ٩٢ والتي نجحت في تثبيت قواعد الانتظام عبر ورشة اعادة الاعمار وتقديم نموذج لبناني استثنائي في النهوض واستعادة الدور والمكانة في المنطقة والعالم، ورغم تعطيل الحياة في وسط بيروت العاصمة الا انها لن تعود الى زمن خطوط التماس لانها روح الذاكرة الوطنية الحديثة والتي لا تزال تتجدد في قلب بيروت ومن حولها بشكل مستدام مما يعزز الثقة بقدرة الوطنيين اللبنانيين على تجاوز المحن والتحديات بعد ان تحول السلم الاهلي من حلم مستحيل الى ثقافة وطنية عميقة مما يساعد الحكومة الميقاتية الانتقالية على تجاوز الازمات وبلورة الاهداف الوطنية وعدم التسليم بتصريف الأعمال.