IMLebanon

ورطة العبثيّة

 

 

لا يبدو أن هناك استعجالاً لعودة مجلس الوزراء إلى الاجتماع في القريب العاجل. فلا المخرج لمطلب الثنائي الشيعي إزاحة المحقق العدلي القاضي طارق البيطار متوفر، سواء لدى الحكومة ورئيسها نجيب ميقاتي مع كل شطارته في تدوير الزوايا، أو لدى رئيس الجمهورية الذي من دون إجراء من هذا النوع لديه الخشية من مزيد من انخفاض شعبيته وفريقه في الوسط المسيحي. ولا المخرج لدى الثنائي الشيعي من معادلة “قبع” القاضي أو تعليق حضور وزرائه اجتماعات الحكومة الذي يقود إلى شلل العمل الحكومي، متوفر هو الآخر، طالما أن ميقاتي لا ينوي الدعوة إلى اجتماعها تماشياً مع مبدأ “الميثاقية” وتجنباً لإغضاب “حزب الله” المصرّ على تطبيق القاعدة القائلة لا يمكن أن تحكموا من دوننا.

 

إذا انصاعت الحكومة لطلب إزاحة البيطار، تكون أضافت إلى أسباب تردد بعض الدول في دعمها، وإلى القرار الحازم لدول أخرى بالامتناع عن تقديم المساعدة لها، عنصراً جديداً لا يقف عند حدود شلل عملها الحاصل الآن، بل يتعداه إلى “نبذها” كلياً، نظراً إلى أن كافة هذه الدول باتت تعتبر استكمال التحقيق العدلي في جريمة انفجار المرفأ شرطاً رئيساً للتعاطي بإيجابية معها. والعواصم التي ترى في إزاحة المحقق العدلي إعاقة مرفوضة للتحقيق، هي نفسها طالبت ميقاتي بـ”الصمود” وعدم التنازل أو التجاوب مع مطلب الثنائي الشيعي. وإذا تراجع “الحزب” عن شرطه إقالة البيطار يكون فقد القوة التعطيلية للحكم والحكومة، التي اعتاد ممارستها خلال أكثر من عقد من الزمن، وذهبت كل التعبئة السياسية والإعلامية التي جيّش جمهوره بها ضد التحقيق العدلي، وصولاً إلى تظاهرة الطيونة، واتهام “القوات اللبنانية”، مجاناً.

 

الفرقاء المعنيون باستئناف نشاط الحكومة في ورطة ما بعدها ورطة. وهذا ينطبق على “الحزب” والحكومة ورئاسة الجمهورية.

 

يتقدم إصرار “الحزب” على أن الكلمة الأخيرة له في شؤون السلطة والحكم على أي أمر آخر، مهما كان مصيرياً، مثل الحاجة الملحة إلى تهدئة الصراع السياسي والانصراف إلى المعالجات العاجلة لشؤون ومشاكل اللبنانيين الحياتية التي تستفحل كل يوم، وتتصاعد آثارها الكارثية على معيشتهم. والأولوية بالنسبة إليه هي نفاذ خياره بإزاحة البيطار مهما كانت الأضرار، ومهما كانت الخيارات التي يصر على أن يجاريه فيها سائر فرقاء الحكومة، حتى لو كانت متعبة، حتى لجمهوره ولحليفه “التيار الحر”. هي أهم من انعكاسات التعطيل على أحوال اللبنانيين. بل لا أهمية عنده لتنامي الموقف الاعتراضي على سياساته وانعكاسه السلبي على حلفائه المسيحيين بعد تحذير البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي من المقايضة بين التحقيقات في حادثة الطيونة والتحقيق بانفجار المرفأ، وبعد عظة مطران بيروت للروم الأرثوذكس الياس عودة التي أشار فيها إلى “اقتحام المناطق الآمنة، وترهيب أهلها وطلاب مدارسها واتهام المدافعين عن أنفسهم بأنهم المعتدون والقتلة”. إنها العبثية الكاملة في إدارة شؤون الدولة والعلاقات بين المكونات اللبنانية.

 

تقتضي العبثية في تعطيل عمل الحكومة قول البعض إن لا ضرورة إلى استعجال عقدها طالما أن الفريق الوزاري المكلف التفاوض مع صندوق النقد الدولي يواصل تحضيراته لبدء المفاوضات، التي ستبدأ قريباً، وطالما يقوم وزير الداخلية بالتحضير للانتخابات النيابية، والبرلمان سيجتمع الخميس المقبل من أجل إعادة إقرار التعديل الذي جرى على قانون الانتخاب. فلماذا يجب أن تجتمع من أجل الاستجابة لمصلحة النائب جبران باسيل باتخاذ قرار بتعيين أشخاص في 61 مركزاً إدارياً في الدولة، قبيل الانتخابات في سياق سعيه كي يربح فيها ما يريده قبل أن تجرى؟