Site icon IMLebanon

الأبواب «مشرّعة» لأيام محدودة: تنفرج أو تنفجر؟

 

من اليوم وصاعداً وفي مهلة مقدّرة حتى نهاية الأسبوع الجديد، على اللبنانيين ترقّب مجرى التطورات كل يوم بيومه. ففي كل يوم محطة تؤثر في مسار الأحداث المتصلة بالاستحقاقات السياسية والأمنية والقضائية. وقد ظهر جلياً انّ هامش المناورة تقلّص الى الحدود الدنيا. وما زاد من نسبة القلق الأجواء الضبابية التي توحي انّ الأبواب مشرّعة على الإنفراج كما الإنفجار. فكيف يمكن ترجمة ذلك؟

سقطت كل الرهانات التي بُنيت على محطة تشكيل الحكومة العتيدة (10 ايلول 2021) بعد 13 شهراً من مرحلة تصريف الاعمال، إثر استقالة حكومة «مواجهة التحدّيات» (10 آب 2020) وعدم قدرة رئيسين كُلّفا مهمة التأليف. كما انهارت معها مختلف النظريات التي قالت انّ توليد الحكومة يمكن ان يشكّل محطة لاستعادة بناء هيكل الدولة واكتمال بناء مؤسساتها. واستند أصحاب هذه النظرية على أنّ لا بدّ من إعادة تكوين السلطة التنفيذية التي تترجمها حكومة بكل المواصفات الدستورية، لتسعى بالتعاون مع السلطات الأخرى التشريعية منها والقضائية، لوقف الانهيارات المتسارعة والمتدرجة من قطاع الى آخر. ومنعاً من بلوغ مرحلة الارتطام الكبير التي توجس منها كثيرون، والتي يستحيل معها إمكانية الحفاظ على ما تبقّى من مقومات الدولة ومؤسساتها.

 

وعليه، وفي الوقت الذي كانت كل السيناريوهات تتحدث عن مستقبل مظلم، كوّنت المواقف الدولية والاقليمية، التي دعت الى تشكيل الحكومة العتيدة، بصيص امل وإقتناع لدى اللبنانيين، عززتها الوعود التي قطعها الموفدون الأمميون والدول والحكومات الصديقة للبنان بالمساعدة فور تشكيلها. ولكن ذلك كان ربطاً بما التزم به اهل السلطة، بالسعي الى تشكيل حكومة حيادية ومستقلة لا تتأثر بالتركيبات الحزبية القائمة، وتنصرف الى اتخاذ القرارات الكبرى التي يمكن ان تؤدي الى الانتقال بالبلاد الى مرحلة التعافي والإنقاذ. كما تعهدوا بعدد من الإجراءات العاجلة، المبنية على التنازلات المتبادلة التي كانت مطلوبة من الجميع، لتحيي الأمل بإمكان وضع حدّ لمعاناة اللبنانيين ومنع تدهور الأوضاع الى ما هو أسوأ مما كانت عليه.

 

وعلى عكس ما كان متوقعاً ومأمولاً، فقد جاءت الحكومة تركيبة هجينة، قادت اليها التنازلات التي قدّمها الرئيس المكلّف تشكيلها أمام الأطراف الحزبية، فحملت في متنها مختلف الألغام التي عطّلت الحكومة السابقة وجعلتها عاجزة عن البت بأي موضوع خلافي. وإن نجح الرئيس المكلّف في تأجيل عدد من هذه الملفات ابّان عملية التأليف، ووضع البيان الوزاري، فقد انفجرت رزمة منها دفعة واحدة، عندما اختلط ما هو سياسي وإداري بما هو أمني وقضائي، قبل ان تكمل اجتماعها الرابع، فتعطّلت أعمالها. وقبل ان تحقق أي انجاز تنوّعت كل أشكال الأزمات التي تطورت وتعقّدت في وقت قياسي، وصولاً الى رسم معالم مستقبل مظلم، وسط التكهنات بأنّ ما هو مقبل من مصاعب لم يتعرّف عليها اللبنانيون من قبل.

 

ليس في ما سبق من ملاحظات لإحصائها بل للإشارة إلى انّ الأسبوع الجاري يختصر بأيامه يوماً بعد يوم، ما يمكن ان تؤدي اليه المعالجات لمعظمها. ففي الأمس، كان الاجتماع الثالث لمجلس القضاء الأعلى في إطار جلساته المفتوحة التي خُصّصت، بعد إعادة تقويم الوضع القضائي وبعد اكتمال هيئته، للبحث في طريقة معالجة تداعيات التحقيق في جريمة المرفأ، والمواقف من المحقق العدلي طارق البيطار، في ظل إصرار ثنائي حركة «أمل» و»حزب الله» على إبعاده عن موقعه، نتيجة المخاوف التي تعاظمت من إصراره على بعض الإستدعاءات، وهو ما أدّى إلى توجس قياداتهما السياسية والحزبية والطائفية، ما يهدّد مصير التحقيق برمته ويحول دون إتمام المراحل المؤدية الى صدور القرار الاتهامي قريبا.

 

وأياً كانت النتيجة التي انتهى اليها مجلس القضاء في اجتماعه مساء أمس، فإنّه بات على تماس بما يمكن ان يتخذه البيطار من قرارات يوم الجمعة المقبل، إن لم يحضر اي من النائبين نهاد المشنوق وغازي زعيتر الى دائرته في قصر العدل. فإن أصدر مذكرات جلب في حقهما على غرار تلك التي خصّ بها النائب علي حسن خليل، فسيكون على المجلس تدارك ردّات الفعل على الساحتين السنّية بعد الشيعية، في وقت لم تنجح الإجراءات المتخذة قضائياً وعسكرياً لكشف ملابسات أحداث الطيونة وما ادّت اليه. وإن طرأ جديد على قضية استدعاء رئيس حزب «القوات اللبنانية» للاستماع الى إفادته امام المحكمة العسكرية أو المخابرات، فإنّ الدعوى التي رُفعت ضدّ الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله من الجرحى والمتضررين من اهالي عين الرمانة، سترتبط تفاعلاتها بهذه القضية وتزيد من حدّة التوتر الناجم عنها.

 

وربطاً بملف القضاء، تبدأ اللجان النيابية اليوم مسيرة البحث في الملاحظات التي سجّلها رئيس الجمهورية في ردّه لقانون الانتخاب، بعد ان أقرّه المجلس النيابي الاسبوع الماضي في إطار آلية تشريعية تبقي الملف مفتوحاً على كل أشكال المناقشات حتى نهاية الأسبوع. وخصوصاً إن بقيت المواقف مما جرى تعديله او تجميده من القانون بما لا يُرضي رئيس الجمهورية و»التيار الوطني الحر» اللذين سيكون على أحدهما مراجعة المجلس الدستوري. وهو ما يضع هذه القضية في سباق محموم مع المِهل الدستورية التي تتحكّم بالاستحقاق وتهدّده جدّياً.

 

وأمام مسلسل اللقاءات المنتظرة وما يحوط بها من أجواء، تتوقع مراجع مطلعة ان تترافق مع حملات اعلامية وسياسية مبرمجة، تزيد من الشروخ بين المتخاصمين، الذين قرّر عدد منهم فتح البازار الانتخابي من اليوم. فعلى الرغم من الشلل الحكومي المستمر لهذا الاسبوع وربما لمدة اطول، بفعل غياب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي زار العراق امس قبل ان يزور بريطانيا نهاية الأسبوع للمشاركة في مؤتمر «غلاسكو» للمناخ ومعه عدد من الوزراء، فإنّ اجتماعات اللجان الوزارية ستتواصل وسط عدد من المصاعب التي تؤخّر التفاهم على أي من القضايا المطروحة الاجتماعية والإدارية او المالية، بعدما حجبت الاهتمام بملفات كبرى، أثارها الموفدان الاميركيان في بيروت نائبة وزير الخارجية للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند ورئيس الفريق الاميركي الراعي مفاوضات ترسيم الحدود البحرية في الناقورة آموس هوكشتاين في شأن الإصلاحات وملف الطاقة.

 

على هذه الخلفيات، تعززت المخاوف حول ما سينتهي اليه الاسبوع الطالع. فليس في الأفق ما يوحي بحلحلة ما لأي من هذه العِقد في ظل الشلّل الحكومي، وهو ما يعزز السير بالبلاد على خطين متوازيين: إما الى الإنفراج او الإنفجار، مع ترجيح الخيار الثاني. فالرؤوس الحامية تتقدّم الصفوف في مختلف مواقع القوى، ولا حديث عن مصالحات او تفاهمات تبدّل من الصورة السوداوية؟