قد يتمكّن الرئيس ميقاتي من إيجاد صيغة تعيد إطلاق جلسات مجلس الوزراء معتمداً على براعته في “تدوير الزوايا” وعلى “النسخة المدنية” من رئيس مجلس النواب، لكن “القلوب التي تَنافَرَ ودُّها” إثر حادثة “زاروب الفرير” لن “يُجبَر كسرُها” الى أن يَقضي الله…
ليس مهماً عدد المعتقلين لدى أجهزة الأمن ولمن توجه الاتهامات. نحن في زمن الصورة ووسائل التواصل. تنطق بدلاً من العَسَس والمخبرين و”الدكتيلو”، وهي حتماً “أصدقُ إنباء” من محقق من هنا أو قاض من هناك، و”في حدِّها الحدُّ” بين النزاهة وتلفيق الملفات.
ما يشغل البال فعلياً هو سؤال كيف يمكن الوثوق بالدولة اذا كانت مهيضة الجناح وتحوّلت الى أداة، وما الضمانة للمواطن العادي ما دام القوي والمفتري وصاحب اليد الطولى يفصّلون للقضاء الأزياء ويجعلون العدالة جاريةً تتغاوى لصاحب السلاح والسلطان؟
الدولة مجدداً هي نقطة البداية والنهاية على السواء. فما شهدناه منذ “الخميس المشؤوم” أشنع من يوم الحدث الدموي، ذلك انه يؤكد هشاشة عصبَين رئيسيين لا تقوم قائمة للدولة من دونهما. فالتهديد والاستقواء اللذان مارسهما “حزب الله” فرضا مساراً محدداً للتحقيق أدمى الثقة بالقضاء المؤتمن على الحق والحقيقة. وقرار “الثنائي” تعطيل مجلس الوزراء أضاف الى المؤسسة المولجة ادارة البلاد حطاماً الى ركام، في وقت يحتاج اللبنانيون جميعاً الى بنيان حدّ أدنى أخلاقي ومادي ينتشلهم بسرعة من حفرة المنظومة المصرَّة على تدمير أي أثر للدولة يبعث الأمل بحياة كريمة في لبنان.
ما نعيشه ليس حادثة لها ذيول تنتهي بمعالجات قانونية وتركيبات وأثمان سياسية. هو توسيع خطير للهوة القائمة بين مكونات المجتمع يجعل الاصرار البديهي على الوحدة الوطنية والتأكيد على الشراكة الاسلامية المسيحية في كنف دولة الطائف والدستور مثار يأس واستهجان، خصوصاً مع شعور أكثرية المسيحيين، علمانيين ومتدينين على اختلاف توجهاتهم السياسية، بأن هناك تواطؤاً تمارسه السنية السياسية بدأ بخطيئة التضامن مع حسان دياب في وجه القاضي البيطار، وأتاح لـ”حزب الله” تكبير اللقمة والصمود على شجرة الشروط والاتهامات. وهو شعور ترفده قناعة المسيحيين بأن “حزب الله” لم يُعِدّ “ما استطاع من قوة” إلا ليُخضع تباعاً كلّ المكوّنات ملغياً في طريقه خصوصيتهم التي ميزت لبنان، فيصيرون بين خياري الرضوخ لمنطق القوة، او الالتحاق مقابل فتات حتى ولو أخذ شكل رئاسة ونيابة ووزارات.
هل من يستطيع بعد كلّ التصعيد في الميدان والخطاب إعادة الصراع الى سلميته ومنطق الدولة ورأب الصدع بين الطوائف الآخذ في الاتساع الى حدود المجاهرة برغبة الافتراق؟ مَن عاد الى مطالبة رئيس الجمهورية بترؤس طاولة حوار يحضرها أهل المنظومة لمناقشة “استراتيجية دفاع” لحل مشكلة السلاح، كاذب بامتياز أو ساذج يجهل ان “النظام” لم يسقط لكنه مات. ومَن اعتقدَ بأن منطق القوة يلغي قوة الحق لم يتعلم من تاريخ البشرية ولبنان. وحق اللبنانيين ثابت في العدالة والسيادة والأمان مهما كان شكل الدولة والنظام.