«الحكومة باقية». وفي المعلومات، يبدو انّ الدعم الفرنسي ـ الأميركي فعل فعله في لجم استقالتها، الّا أنّه لم ينجح في إعادة تفعيل عملها حتى الساعة، بعدما جُمّدت بسبب إصرار الثنائي الشيعي على تنحية القاضي طارق بيطار. ولكن المستجدات «القرداحية» أعادت تسخين عملها ولو بجهد اميركي ـ فرنسي لا يحلو ربما لـ»حزب الله». إلّا أنّه وفي المرحلة الحالية، يرى المراقبون انّ التئامها قد يتناسب مع مصالح الحزب بعد المستجدات العربية.
لذلك يرى هؤلاء أنّ «حزب الله» ربما سيغض النظر عن عودة جلسات مجلس الوزراء الى الانعقاد قبل تنحّي بيطار، مع الموافقة على تسوية مقبولة لدى الأطراف السياسية والقضائية، هذا في حال صمد الرئيس نجيب ميقاتي امام العزلة العربية ورفض الاستقالة من رئاسة الحكومة، مستغلاً فرصة إعادة إحيائها بعد «قبة باط» من «الثنائي الشيعي» وجرعة دعم من الثنائي الأميركي ـ الفرنسي، فيصبح انعقاد جلسة عاجلة لمجلس الوزراء وارداً في اي لحظة بعد عودة ميقاتي من الخارج، ولكن ذلك لا يستقيم الّا بعد التأكّد من نجاح مساعيه الخارجية لإنقاذ «حكومة الإنقاذ»، في وقت ستتضح معالم تلك المساعي بعد تكشف خفايا اجتماعات ميقاتي الخارحية، لا سيما منها اجتماعه مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، وكذلك اجتماعه مع وزير الخارجية الاميركية انتوني بلينكن إن حصل.
في الموازاة، يطفو مؤشران تصعيديان يبدّدان الأمل في التبريد السياسي الذي كان ميقاتي يعمل عليه، داخلياً عبر خلية الأزمة، وخارجياً مدعوماً من الثنائي الاميركي ـ الفرنسي:
المؤشر الاول، قرار السفير الكويتي في لبنان المتأخّر عن نظرائه بالمغادرة، وكذلك نداء دولة الإمارات لمواطنيها لمغادرة لبنان في اسرع وقت، وتوقف شركة DHL للبريد السريع عن تسلّم واستلام الطرود من لبنان الى الدول العربية.
اما المؤشر الثاني، فهو تصريح وزير الخارجية السعودي التصعيدي، الذي لم يدع الى تبريد سياسي، بل على العكس، خصوصاً حين أوضح في حديث له، انّ استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي ليست سوى تفصيل صغير امام الأزمة الكبيرة المتراكمة بين الدولة اللبنانية والسعودية، والتي في رأيه لم يحتوها لبنان في الشكل المطلوب بعدما نأى بنفسه عن الأزمة السعودية ـ الحوثية، فلم يبادر ولم يدل حتى بتصريح واحد رسمي يدين الاعتداء على المملكة. كذلك لم تعترض الدولة اللبنانية على مساندة «حزب الله» للحوثيين في هجماتهم على المملكة ولو حتى عبر التصريحات الإعلامية. في وقت تنتقد مصادر قريبة من المملكة موقف لبنان الرسمي بالقول: «هو ليس فقط محايداً بل اصبح معادياً، بعدما صرّح احد وزرائه ضدّ المملكة، مبدياً تعاطفه مع الحوثيين المعتدى عليهم»…
في السياسة، تعتبر مصادر ديبلوماسية لبنانية مقيمة في الرياض، انّ المشكلة لم تعد قابلة للحلول الديبلوماسية. ناقلة عن شخصيات سعودية قولها في مجالس لبنانية في الرياض، إنّ القرار في شأن لبنان قد اتُخذ منذ مدة، وانّه لا يتوقف ولا يستند بالتأكيد على تصريح «مستوزرٍ مدّعٍ»، بل هو نتيجة تراكم أخطاء في سياسة لبنان الخارجية وسياسة حكوماته المتلاحقة بدءاً من حكومته السابقة التي لم تجهد للمحافظة على علاقتها مع المملكة، وكذلك نتيجة استمرار الحكومة الحالية في الآداء نفسه، على الرغم من انّ المملكة أعطَت الحكومة فرصة لتصحيح هذا الأداء، إلّا أنّ الأخيرة فشلت باكراً في الامتحان، في وقت نقلت المصادر الديبلوماسية اللبنانية نفسها، وصف الشخصيات السعودية الحكومة الحالية بأنّها «حكومة رمادية… لا نريدها».
في السياق، تؤكّد اوساط داخلية مطلعة، أنّ ما تشهده الساحة اللبنانية سببه تسخين المفاوضات الاميركية ـ الايرانية، إلّا أنّ المستجد هو التسخين الايراني ـ السعودي في ظل بدء المحادثات بين الجانبين، الذي يبدو انّ ترجمتها ستكون ايضاً من الساحة اللبنانية، وأنّ المستجدات الاخيرة ليست سوى خطوات تكتية لتحسين شروط الطرفين. فالسعوديون وفق الاوساط نفسها، حاولوا الضغط على الحوثيين من لبنان لإيقاف هجماتهم، فيما نأت ايران بنفسها عن ربط المسألة الحوثية بالمسألة اللبنانية والمسألة السعودية، جواباً على من افترض انّ القاعدة هي «اليمن مقابل لبنان».
في الخلاصة، واستناداً الى ما نُقل عن تلك الشخصيات السعودية، عن انّ استقالة وزير تبقى تفصيلاً، تفيد اوساط وزارية لبنانية انّ استقالة قرداحي اصبحت اليوم تفصيلاً، لكنها لم تكن كذلك عند بداية الازمة، مفترضة أنّ رئاسة الحكومة لو حسمت امرها وأقالت الوزير قرداحي منذ البداية لكانت ربما حلحلت الأزمة، وتكون قد اثبتت للمملكة أنّها لم تقف مكتوفة امام تصريحات معادية لها، وأنّها قادرة أقله كلامياً وليس عملياً على اتخاذ المواقف، غير أنّها أثبتت عجزها حتى عن ذلك، في وقت تؤكّد الاوساط نفسها ضرورة البدء من مكان ما، وهذا المكان هو إقالة وزير الاعلام حتى لو انّها ستكون إقالة متأخّرة، وحتى لو لم تفعل فعلها في إعادة السفراء العرب الى لبنان، (بحسب حجة «القرداحي» الذي اعتبر عدم عودتهم مبرّراً لعدم استقالته) في وقت يعلم الجميع أنّ من أوصله الى الحكومة هو المقرّر وحده لاستقالته».
وتقول الاوساط نفسها: «صحيح انّ الميقاتي أشهد أنّه «بلّغ»، إلّا أنّه حتى الساعة لم يشهد أنّه «تبلّغ» رسمياً لا من «الثنائي الشيعي» معارضته «الاستقالة» ولا من الثنائي الفرنسي ـ الاميركي دعمه حتى النهاية.